تعيش العاصمة طرابلس منذ أشهر، على وقع توتر أمني متصاعد ومحتدم، نتيجة هشاشة الوضع الأمني فيها وفي بعض المناطق المجاورة لها، حيث تتجدد الاشتباكات من فترة لأخرى، كان آخرها الاشتباكات المسلحة في العاصمة الخميس الماضي ثاني أيام عيد الفطر المبارك.

ودارت الاشتباكات بين مجموعات مسلحة بشكل مفاجئ ودون معرفة الأسباب أو أي معلومات حول إصابات بين المواطنين أوعناصر الكتائب المتناحرة.

وكشف مصدر أمني لشبكة لام، اندلاع تبادل لإطلاق النار بالأسلحة الثقيلة، بين عناصر من الشرطة القضائية وعناصر هيئة دعم الاستقرار، على خلفية اعتقال أحد عناصر جهاز الشرطة القضائية على حاجز الدعم والاستقرار، اعتقلت على إثره القضائية كافة عناصر دورية أمنية تابعة للدعم والاستقرار.

وأشار شهود عيان من العاصمة طرابلس إلى إخلاء ملاهي شارع عمر مختار، بسبب خوف المواطنين اللذين خرجوا للتنزه في ثاني أيام عيد الفطر، من إطلاق النيران، بعد سماعهم دوي انفجارات في أنحاء متفرقة من طرابلس، أعقبها إطلاق نار من أسلحة رشاشة بشكل كثيف.

بدوره، دعا جهاز الإسعاف والطوارئ المواطنين والسكان في العاصمة للحذر والابتعاد عن أماكن التوتر، وعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة، حفاظا على السلامة.

وأبدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قلقها إزاء الاشتباكات المسلحة، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد أو الأعمال الانتقامية. وأدانت البعثة، في بيان لها، الاستخدام المتكرر للعنف كوسيلة لتسوية الخلافات، كونه يعرض سلامة المدنيين للخطر، ويقوض الوضع الأمني الهش، كما شددت على ضرورة إخضاع المسؤولين عن الاشتباكات للمحاسبة.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة على أن حالة انعدام الأمن المزمن ليست إلا نتيجة لاستمرار الأزمة السياسية، ولتآكل الشرعية المؤسسية، وأن انعدام الأمن يشكل تذكيراً بحاجة ليبيا إلى منح الأولوية لإجراء الانتخابات، من أجل إقامة هيئات حكم شرعية قادرة على بسط سلطة الدولة ودعم سيادة القانون.

وجددت الخارجية البريطانية تحذيرها من السفر إلى ليبيا، حيث اعتبرتها من الوجهات غير المسموح بزيارتها؛ نظرا لخطورة الوضع الأمني المحلي الهش الذي يمكن أن يتدهور بسرعة إلى قتال عنيف واشتباكات دون سابق إنذار،

وجرى إعلان القائمة التي تضم 24دولة، بما فيها ليبيا، التي جاءت في تصنيف “خطيرة للغاية”. وقالت الوزارة البريطانية: يمكن للقتال بين الجماعات المسلحة أن يشكل تهديدا كبيرا للسفر الجوي في ليبيا، وقد تسبب هذا القتال بشكل دوري في التعليق الموقت أو إغلاق المطارات، وبالتالي تعد جميع المطارات الليبية عرضة للإغلاق بسبب الاشتباكات المسلحة.

وتشهد مناطق متفرقة من العاصمة هدوءا حذرا بعد انتهاء الاشتباكات، وسط مخاوف الأهالي من اندلاعها مرة أخرى، لا سيما بعد أن فقدوا الأمل؛ في ما أعلنه وزير الداخلية في حكومة الدبيبة عماد الطرابلسي نهاية فبراير الماضي بشأن إخلاء العاصمة من كافة المجموعات المسلحة. حيث أعلن الطرابلسي، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، وعودتها إلى مقراتها وثكناتها.

وقال الطرابلسي في مؤتمر صحفي نهاية فبراير الماضي إن مشاورات ومفاوضات لأكثر من شهر أسفرت عن التوصل إلى “اتفاق مع الأجهزة الأمنية لإخلاء العاصمة طرابلس بالكامل خلال المدة القادمة”، مؤكدا أنه “لن يكون فيها سوى عناصر الشرطة والنجدة والبحث الجنائي”، وهي أجهزة تابعة لوزارة الداخلية.

وفي التاسع من شهر أبريل الجاري، أعلن رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق إسماعيل حقي بكين، عدم استبعاده اندلاع حرب أهلية في ليبيا مجددًا. وأشار بكين، في مقابلة مع موقع «United World International»، إلى أن جميع الأطراف في ليبيا تتسلح، وأن “الصراع لا يتعلق بليبيا فحسب، بل ببنية الطاقة برمتها في المنطقة”، مستبعدًا إجراء الانتخابات في المدى المنظور.

وأضاف رئيس الاستخبارات العسكرية التركية السابق: “السيناريو الليبي معقد، مع وجود العديد من الجهات الخارجية»، مشيرًا إلى أن تركيا قد تنظر إلى روسيا كمنافس، لكن يجب ألا تنظر إليها كعدو، ولكلا الجانبين قوات مسلحة في ليبيا”.

وتجاهلت حكومة الدبيبة التعليق على أسباب التوتر الأمني والعسكري الذي شهدته العاصمة مؤخراً، واكتفى الدبيبة بقوله أنه لن يسمح بسياسة كسر الأنوف والحكم بالسلاح مرة أخرى، وأن ما يحدث في ليبيا سببه فتنة داخلية وأخرى خارجية، وفق تعبيره.

ويرى متابعون للشأن العام في ليبيا أن هذه الاشتباكات نتيجة طبيعية لـحالة الاحتقان في العاصمة طرابلس وضواحيها بين الأطراف المسلحة، وهي متزامنة مع حالة انغلاق سياسي أنتج عدم استقرار أمني وتدهوراً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

فيما يراها آخرون أنها ليست غريبة ومتوقعة، وسببها حسم الصراع على مناطق السيطرة والنفوذ في العاصمة وما حولها، وبالمحصلة تزداد مخاوف الأهالي من جولات العنف، واستمرار مسلسل تصفية الحسابات، في ظل الانقسام الذي تعيشه البلاد، وعجز حكومة الدبيبة عن بسط الأمن والتعامل مع التعقيدات الأمنية التي يدفع المواطن ثمنها الباهظ.