عزت الصحفية التونسية فاطمة بدري في مقال لها عجز الدبيبة عن حل أزمات ليبيا الكثيرة وتنظيف البلاد من الميليشيات المسلّحة، إلى تمسّكه بمنصبه، على رغم الدعوات السياسية والشعبية والدولية لتنحّيه، متسائلة: هل من فشل بحل مشاكل ليبيا قادر على حل صراع السودان ؟.

وأضافت بدري في مقالها: ” استقبل الدبيبة أواخر الشهر الماضي، كلاً من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وغريمه قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في العاصمة الليبية طرابلس بشكل منفصل، عقب اتصال هاتفي مع كليهما، أعلن خلاله عن مبادرة مفاجئة لإنهاء النزاع السوداني المحتدم”.

وقالت الصحفية التونسية إن ليبيا بوضعها الحالي لا تملك أي تأثير يُذكر في ظل الاعتقاد السائد بأن هذا البلد ليس أفضل حالاً من السودان، بخاصة على المستويين الأمني والسياسي، وأنه بدوره في حاجة الى مبادرات لإحلال السلام الدائم فيه وتوحيد البلاد التي تحكمها حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، فضلاً عن نفوذ الميليشيات المسلّحة التي تدخل في كل مرة في اشتباكات تخلّف قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، آخرها كان في الفترة التي أعلن عنها الدبيبة عن مبادرته. علماً أن الأخير يستخدمها لبقائه في منصب رئاسة الحكومة بكل امتيازاته وصلاحياته الكبيرة التي يستنكرها قسم كبير من الليبيين.

وتابعت” يبدو أن الديبية حاول بهذه الخطوة القفز على الأوضاع في بلاده، لا سيما أنه بات يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية للتخلّي عن منصبه.

ويعتقد الدبيبة أن دخوله معترك الأزمة السودانية قد يتيح له أن يصبح لاعباً إقليمياً، وبالتالي كسب ثقة القوى الدولية وضمان تراجعها عن دعمها قرار تنحّيه. لكن المؤشرات ومجريات الأحداث على الأرض تشي بأن الرجل قد أساء التقدير، لاعتبارات عدة بعضها متعلق بالداخل الليبي وبمنصبه بخاصة، وبعضها الآخر متعلق بعلاقة الأطراف السياسية في ليبيا مع طرفي النزاع في السودان.

وأشارت بدوي إلى أنه منذ فترة قصيرة، بدت المواقف داخلياً وخارجياً متّفقة على ضرورة تشكيل حكومة موحّدة لمدة محدّدة، تشرف خلالها على التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإنهاء مهام حكومة الدبيبة. فعلى المستوى الداخلي أيضاً، يجد الدبيبة نفسه محاصراً بالاستياء الشعبي، بخاصة في مناطق غرب ليبيا، بسبب سياسات الحكومة وأشكال تعاطيها مع الحالة الأمنية والمالية بالبلاد، في ظل اتهامات كثيرة تلاحقه بكثرة المصروفات وقلة الإنجازات.

وبحسب أرقام ليبية رسمية، بلغ إجمالي الإنفاق المالي للدولة خلال العام الماضي 125.7 مليار دينار (26.1 مليار دولار)، وعلى رغم هذا الإنفاق الكبير، إلا أنه لم ينعكس إيجاباً على حياة الليبيين. وهذا ما يؤكده ارتفاع معدلات الفقر في السنوات الأخيرة في بلد مصنّف على أنه غني. ففي شباط/ فبراير الماضي، أكد تقرير للبنك الدولي ارتفاع معدلات الفقر في ليبيا، بخاصة في مناطق الشرق والجنوب.

وكانت منطقة تازربو الغنية بالواحات والمياه العذبة الأشد فقراً بنسبة تناهز الـ80 بالمئة، تليها درنة وجالو بنسبة بلغت 70 في المئة. وبيّن التقرير أن 7 في المئة من العائلات التي شملتها الدراسة، تقع تحت خط الفقر، و13 بالمئة لا تستطيع تلبية حاجياتها الأساسية. فيما تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا مع عدد سكان قليل نسبياً لم يتجاوز السبعة ملايين نسمة في عام 2023.

وقالت الصحفية التونسية إن الميليشيات ليست هي المعضلة الوحيدة التي فشل الدبيبة في التعاطي معها، بل هناك أيضاً ملف المعابر الحدودية الواقعة تحت سيطرة مجموعات مسلحة غير تابعة للدولة، ولم يتمكن منذ تولّيه منصبه من استعادتها. انتهت مجمل محاولات الدبيبة بالاشتباك مع القوات المسيطرة على المعابر وحدوث خسائر في الأرواح والأموال بلا فائدة، كان آخرها تلك التي حصلت في معبر “رأس جدير” (المنفذ البري الأهم الذي يربط ليبيا بتونس)، منذ أقل من أسبوع بين قوة تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة، وأخرى مسلحة تابعة للغرفة العسكرية بمدينة زوارة (أمازيغ)، تبسط نفوذها على المعبر منذ الإطاحة بالنظام السابق 2011، ما تسبّب في وقوع جرحى وخسائر مادية كبيرة، الأمر الذي أدى الى إغلاقه حتى اليوم. وهناك مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية عنيفة بين الجانبين خلال الأيام المقبلة.

وأضافت: “بدوره، لا يخضع معبر “غدامس – الدبداب” الحدودي مع الجزائر (600 كلم جنوب غربي طرابلس) لسلطة الحكومة، بعدما أعلنت السلطات المحلية في مدينة غدامس الليبية، القريبة من المعبر، بعد إعادة افتتاحه بشكل رسمي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي رفض أي وجود لأي قوات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة، متّهمينها بإحداث الفوضى داخل مدينتهم”

وختمت الصحفية فاطمة البدوي مقالها بــــ” في خضم هذا الواقع، بدا توجّه الدبيبة الى إعلان مبادرة سلام في دولة أخرى مريباً ومثيراً لسخرية الليبيين أنفسهم، ولعل هذا ما جعل المبادرة تمر من دون أي نتيجة تُذكر حتى الآن. علماً أن ليبيا ليست مؤهلة أبداً للوساطة في الملف السوداني أيضاً، نظراً الى انخراطها عسكرياً في القتال الدائر في هذا البلد، في ظل تقارير دولية تحدثت عن دعم حفتر قوات الدعم السريع بالسلاح والوقود”.