قال المدون والمهتم بالشأن الليبي، أبوبكر القرقوطي، إن الولايات المتحدة الأمريكية تسهى للحصول على نقطة ارتكاز في ليبيا من أجل مصادر النفط والغاز، في ظل التحديات الاقتصادية والمتغيرات الجيوسياسية على مستوى العالم. وأوضح القرقوطي، في مقال نشره على صفحته الرسمية بفيس بوك، أن الاقتصاد العالمي يشهد تحولا زلزاليا، وتغيرات جيوسياسية مذهلة، وصعود قوى اقتصادية جديدة ونزول قوي اخري، سيكون لهذا تأثيرا عميقا علي ليبيا محليا وإقليميا وعالميا، ما يخلق فرصاً جديدة ويغير المشهد الاقتصادي والسياسي ما يستلزم وضع استراتيجيات وخطط تخدم مصالح ليبيا خلال هذا القرن الحادي والعشرين.

وتابع المدون، تمكنت إيران وحلفائها الروس والصينيين من الفوز بالجيوبوليتيك، فأصبحت العراق ضمن ما يعرف بمحور المقاومة التي تقوده إيران، والتي تسيطر فعليا على مضيق هرمز وباب المندب ايضا عبر الحلفاء الحوثيين. وأشار القرقوطي إلى أنه رغم محاولات أمريكا المتأخرة جدا، في محاولة لاسترداد العراق المنفذ الوحيد المتبقي من قبضة خصومها، بسبب الدين والتاريخ والجغرافيا. ولتعود بنا خريطة الجغرافيا والقوه الي سنه 620 ميلادية. فلم يعد البحر الأحمر أمريكيا كما كان، أصبحت دول الخليج محاصرة تماما، وتم قطع طريق التواصل البري الوحيد عبر العراق وتركيا وصولا الي اوروبا، ليصبح الخليج ونفط الخليج تحت قبضه إيران وحلفاءها روسيا والصين عمليا. والاعتماد على الهند كبديل عن الصين امر غير واقعي، بسبب جغرافيا المضائق وقواعد الصين البحرية الصينية في بنغلاديش. ما يجعل مشروع طريق الحرير الهندي في مهب الريح الامر الذي يطمئن مصر اقتصاديا.

وقال المهتم بالشأن العام أن أمريكا ترى أن الصين تمثل الخطر الحقيقي والتي تسيطر علي جل الصناعات كصناعة السفن والسيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والالكترونيات والاتصالات ودخلت فعليا سوق صناعه الطائرات التجارية التي كانت تحتكرها حصريا أمريكا وأوروبا, ولتاريخ يعيد نفسه مره أخرى ويذكرنا بما حدث بين بريطانيا والصين في نهايات القرن 18(حرب الأفيون).

وأضاف القرقوطي” الأميركيون يدفعون ثمناً سياسيا واقتصادياً باهظاً بسبب السياسات القصيرة النظر في أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط، والعبث بمصالح وامن حلفاءها ,وتطالب أمريكا أوروبا أن تتولى مسؤولية امنها بنفسها ومقاليد الحرب ضد روسيا”.

وتشهد القارة الأفريقية موجة من الشباب، بينما تشهد اوروبا بداية موجة الشيخوخة، وانخفاض اعداد السكان، وفي العام 2060، سيكون هناك عامل واحد فقط لكل متقاعد واحد وتحديات اقتصادية، ومشاكل تمويل المعاشات التقاعدية وتمارس أمريكا وأوروبا سياسات الغطرسة وازدواج المعايير، تحت شعارات الديمقراطية والحريات، وعلى النقيض فقد تبنت روسيا استراتيجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتوفير الغذاء والأمن والأسلحة دون الشروط الغربية المعتادة. فيما تعرض الصين، مشاريع البنية التحتية وخطوط السكك الحديدية ومساعدات فنية في مجال التعدين في مقابل شراكات تجارية وصناعية لمنع أفريقيا التي تتطلع إلى الاستقرار وللبناء والتنمية.

وأعلنت أمريكا التزامها بسحب قواتها من النيجر وأبلغت تشاد أمريكا بوقف أنشطتها في قاعدة تستضيف أيضاً القوات الفرنسية، وارتفاع موجة تمرد في ساحل أفريقيا جنوب الصحراء.

أمريكا تمتلك احتياطيات مؤكدة تعادل 5 أضعاف استهلاكها السنوي وهذا يعني أنه بدون الواردات، سيكون هناك حوالي خمس سنوات من النفط المتبقي, باستثناء الاحتياطيات غير المؤكدة.

وختم القرقوطي مقاله بـ “كل هذه المتغيرات الجيوسياسية تجعل أمريكا وأوروبا تهتم بليبيا المدخل الي دول الساحل ذات الأهمية النفطية وبسبب وجود المعادن النادرة التي تسيطر الصين علي 80% من انتاجها، وتشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أن استكشاف ليبيا بالكامل يمكن أن ينتج 100 مليار برميل إضافية ، و100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي, وقد اجتذبت هذه الإمكانية اهتمام شركات الطاقة الامريكية، الأمر الذي يتطلب ظروف سياسية وأمنية مستقرة.

بينما حذر بنك جي بي مورجان الأسبوع الماضي من أن العالم يحتاج إلى “الواقعية” للانتقال إلى الطاقة المتجددة، قائلا إن الأمر قد يستغرق “أجيالا” للوصول إلى هذه الأهداف. كما حذر مساء الأمس رئيس توتال الفرنسية بأن خطط الهيدروجين الأخضر مجرد أوهام بل مستحيلة.

الخلاصة، ان روسيا والصين لديها العديد من الخيارات، بالنسبة لأوروبا فليس امامها أي خيارات عدا التكامل مع افريقيا، فيما الولايات المتحدة ليس امامها خيارات كثيرة. لذلك ستركز الولايات المتحدة أنشطتها في الحصول علي نقطة ارتكاز في ليبيا من أجل مصادر النفط والغاز, وعلي امل خلق نموذج اقتصادي وسياسي من الممكن ان يكون نموذجا مغريا لدول افريقيا, يفتح لها طريق العودة الي افريقيا من بوابة جديدة وسياسات جديدة.

وبعيدا عن هذه التحليلات, علينا أولا انجاز مهام تنتمي للقرن الماضي، أهمها إعادة بناء مؤسسات الدولة، وبناء جيش محترف، وقوة أمنيه عصرية منضبطة، والتوافق على صيغة تضمن مشاركه حقيقية في نظام حكم شرعي ومستقر، بديلا عن النموذج الإقصائي العنيف والمستمر منذ أكثر من نصف قرن.