بقلم| محمد غميم – كاتب سياسي
السؤال الذي يفرض نفسه على الشارع والاقتصاديين: هل من المنطقي أن ترتفع الاحتياطيات الدولية لأي بنك مركزي في فترة قصيرة لا تتجاوز شهرًا؟
من الناحية الفنية، نعم يمكن أن يحدث ذلك، لكن وفق شروط دقيقة:
- زيادة صادرات النفط والغاز.
- الحصول على قروض أو منح دولية.
- عوائد الاستثمارات الخارجية.
- إعادة التقييم: مثل ارتفاع أسعار الذهب أو العملات الأجنبية، مما يزيد القيمة الدفترية للاحتياطيات دون تدفقات نقدية فعلية.
الفرق هنا جوهري:
الزيادة الحقيقية تأتي من تدفقات ملموسة.
الزيادة الدفترية مجرد إعادة تقييم محاسبية.
لكن ما حدث في ليبيا مختلف وخطير. فقد لجأ مصرف ليبيا المركزي إلى إعادة تقييم احتياطي الذهب لرفع قيمته الدفترية، ثم استغل هذه الزيادة لتغطية عجز ضخم يقدر بحوالي 14 مليار دولار. والأدهى من ذلك أن المركزي أعلن عن ارتفاع الاحتياطيات وكأنها نتيجة تدفقات نقدية جديدة، مخالفًا بذلك معايير الشفافية الدولية التي تلزم البنوك المركزية بالفصل بين التدفقات الحقيقية وفروق التقييم.
تصرفات المحافظ ولجنة الإدارة تكشف يومًا بعد يوم أنهم بلا خطة علمية أو رؤية اقتصادية ناجحة، وكأن ليبيا استثناء بين دول العالم يمكن أن تدير اقتصادها بالمناورات المحاسبية والتضليل الإعلامي. هذا النهج الخطير لن يقود إلا إلى الاقتراض الخارجي والارتهان للمديونية، ومعها سيستمر تآكل الاحتياطيات الحقيقية وتتراجع القدرة على حماية الدينار الليبي.
إننا أمام مسار يهدد الاستقرار النقدي والاقتصادي برمته، فبدل أن تكون الاحتياطيات صمام أمان للأجيال القادمة، تتحول إلى ورقة سياسية ووسيلة للتغطية على فساد الحكومتين وانقسام الدولة. والنتيجة الحتمية لهذا العبث ستكون تدهور قيمة الدينار الليبي وانزلاق البلاد نحو أزمة مالية أعمق.