مصباح السنوسي – عضو مجلس السياسات بالحزب الديمقراطي

في دهاليز السياسة الليبية المعقدة، حيث تتشابك الخيوط وتتداخل المصالح، يبرز مشهدٌ يثير القلق العميق: انسدادٌ سياسيٌ مزمنٌ بات يهدد بتقويض أسس الدولة ذاتها. لم تعد الأزمة الليبية مجرد صراع على السلطة أو تقاسم نفوذ، بل تحولت إلى تجسيدٍ صارخٍ لفشلٍ بنيويٍ في بناء توافقٍ وطنيٍ حقيقيٍ، يرتكز على مبادئ السيادة والاستقرار.

لا يزال هذا البلد الشاسع، الغني بموارده، يعيش حالةً من الهشاشة والانقسام، تتجلى في تعدد مراكز القرار، وتغلغل التدخلات الخارجية، تعيد تشكيل الخارطة السياسية والاجتماعية على نحوٍ يباعد بين الليبيين وبين حلم الدولة الموحدة المستقرة.

جذور الانسداد السياسي

تتعدد الأسباب التي أدت إلى الانسداد السياسي في ليبيا، ومن أبرزها:

•تعدد مراكز القرار: حيث توجد حكومتان متنافستان، إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق. ومع ذلك يبدو أنه توجد تفاهمات غير معلنة تحت الطاولة بين الأطراف المختلفة، ومن بين هذه التفاهمات ما يتعلق بشركة “أركنو”، وهذا ما يثقل كاهل الوطن ويعيق أي محاولة للتوحيد أو التوافق.

•التدخلات الخارجية: تغلغل الأجندات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي، ودعم أطراف مختلفة، مما يزيد من تعقيد المشهد ويحول دون حل ليبي ليبي.

•ضعف أداء البعثة الأممية:على الرغم من الجهود الأممية والدولية المتكررة لعقد الحوارات وتقديم المبادرات، إلا أن هذه الجهود لم تُسفر عن نتائج ملموسة تُذكر عدم قدرة البعثة على فرض رؤية موحدة على الأطراف المتنازعة، وتأثرها بالتدخلات الخارجية التي تُعيق عملها، بالإضافة إلى عدم وجود آليات تنفيذ قوية لقراراتها. هذا الضعف في الأداء ساهم بشكل كبير في استمرار حالة الانسداد السياسي وتعميق الانقسام بدلاً من التوصل إلى حلول جذرية.

تطلعات الشعب الليبي


في خضم هذا الانسداد، يبقى الشعب الليبي هو المتضرر الأكبر، وتتلخص تطلعاته في:

•الاستقرار والأمن: إنهاء حالة الفوضى والصراع المسلح، وتوفير بيئة آمنة تسمح بعودة الحياة الحقيقية.

•بناء دولة موحدة: تحقيق السيادة الوطنية الكاملة وتوحيد المؤسسات، وبناء دولة قوية قادرة على تقديم الخدمات الأساسية وحماية مواطنيها.

•إجراء انتخابات حرة ونزيهة:تمكين الشعب من اختيار ممثليه بحرية وتشكيل حكومة شرعية تحظى بثقة الجميع.

سبل الخروج من الأزمة

إن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب:

•إرادة وطنية حقيقية: يجب على الأطراف الليبية أن تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والضيقة، وأن تلتزم بالحوار والتوافق.

•تفعيل دور المؤسسات تعزيز دور المؤسسات الشرعية وإعادة بناء الثقة فيها، وتمكينها من أداء مهامها بفعالية.
•المصالحة الوطنية: بدء عملية مصالحة شاملة تعالج جروح الماضي وتؤسس لمستقبل من التعايش السلمي.

•إن مستقبل ليبيا مرهون بقدرة أبنائها على تجاوز خلافاتهم، والعمل معًا من أجل بناء دولة قوية ومستقرة تلبي تطلعات شعبها في الأمن والازدهار.