منذ تعيينه في سبتمبر 2022 مبعوثا أمميا في ليبيا، كان ثمة تساؤل حول الدبلوماسي السنغالي عبدالله باتيلي حول إمكانيته في الإتيان بما لم يستطع فعله أسلافه السبعة، وإيجاد حل نهائي للأزمة الليبية المتفاقمة منذ 12 عاما.

لكن ما اصطدم به باتيلي جاء عكس تطلعاته، وفشل في إقناع الجهات الفاعلة باتخاذ إجراءات ملموسة تدفع نحو إجراء انتخابات شاملة وحرة ونزيهة لإنهاء المرحلة الانتقالية، واستعادة شرعية المؤسسات.

ففي أول إحاطة له تقدم بها إلى مجلس الأمن عقب استلام منصبه مبعوثا أمميا إلى ليبيا شدد باتيلي على ضرورة أن يكون الحل من داخل ليبيا، ولكن لا شيء من ذلك حصل، وفشل في الوفاء بالوعود التي أطلقها بشأن تنظيم انتخابات قبل نهاية 2022.

فاتجه عقب ذلك إلى الأطراف الدولية المتداخلة في الشأن الليبي محاولا خلق صوت دولي وإقليمي موحد يدفع باتجاه إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات، ففي فبراير 2023 أكدّ باتيلي موافقة كل الأطراف الإقليمية المتداخلة في الأزمة الليبية على إجراء الانتخابات نهاية العام.

وطرح أمام مجلس الأمن مبادرة تنطلق من تشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى تجمع القادة والأطراف الرئيسية ذات المصلحة، تكون مهمتها الوصول إلى الانتخابات من خلال اعتماد الإطار القانوني وخارطة طريق محددة وفق جدول زمني لعقد الانتخابات في نهاية 2023، بالإضافة إلى تعزيز التوافق على أمن الانتخابات واعتماد مدونة سلوك لكل المرشحين، ولكن لا شيء من ذلك قد تحقق.

وبقي الجمود السياسي على ما هو عليه إلى يونيو 2023 حيث أفضت مشاورات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، جرت في أبوزنيقة المغربية، إلى الإعلان عن اتفاق ملزم (التعديل الدستوري الثالث عشر) يمثل قاعدة قانونية للانتخابات.

وفي أول إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن عقب إقرار التعديل الدستوري الثالث عشر تحدث باتيلي عن خلافات تتمحور حول أربع نقاط أساسية وهي شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والأحكام التي تنص على جولة ثانية إلزامية من الانتخابات الرئاسية، والأحكام التي تنص على عدم إجراء الانتخابات البرلمانية في حال فشلت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وكذلك ما نصت عليه خارطة الطريق بشأن تشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات، ومجددا فشل باتيلي في تجاوز الخلافات نحو توافقات إيجابية لإخراج البلاد من مأزقها.

وفي نوفمبر 2023 كشف باتيلي عن مبادرة جديدة تهدف إلى إشراك عدد كبير من الأطراف الليبية في مسار جديد يهدف للوصل إلى توافقات نهائية وحل القضايا الخلافية والوصول إلى نتائج نهائية وملزمة.

مبادرة باتيلي دعت إلى أن يسمي الأطراف المؤسسيين الخمسة ممثلين لهم، وعقد اجتماع تحضيري للتباحث حول موعد اجتماع قادة المؤسسات الخمس ومكانه، بهدف تمكين مفوضية الانتخابات من تنظيم الانتخابات، وفق قانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب، وأن يقتصر دور البعثة على تيسير هذه العملية، مع مناشدة المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم لإنجاحها.

تباينت ردود أفعال الأطراف المعنية إزاء المبادرة بين مؤيد ورافض ومراوغ، فرغم قبول الدبيبة بالمشاركة في الاجتماع إلا أن ما ذكره من تحفظات حول المبادرة، أظهر نيته في المراوغة وعدم الانخراط فيما يهدف باتيلي بالوصول إليه من خلاله، حيث إن الأخير ذكر أن المبادرة تهدف لبحث سبل تمكين المفوضية من تنظيم الانتخابات، وفق قانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب، إلا أن الدبيبة شدد على أن الاجتماع يجب أن يركز على الوصول إلى (أساس قانوني دستوري لانطلاق العملية الانتخابية) وبالتالي فإنه ينفي اعترافه وقبوله بقانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب.

وعلى صعيد متصل أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح اعتراضه على مشاركة حكومة الدبيبة في الاجتماع الذي دعت إليه المبادرة، كونها حكومة منتهية الصلاحية، داعياً إلى مشاركة حكومة حمّاد المكلفة من مجلس النواب بدلاً عنها، كما شدد على أن القوانين الانتخابية لا يجب أن تخضع للنقاش، وأن البند الوحيد الذي يجب أن يكون على جدول أعمال الاجتماع هو تشكيل حكومة جديدة للإشراف على إجراء الانتخابات.

وهنا اتهم باتيلي القادة الليبيين بأنهم لا يريدون حلاً لأزمة بلادهم، وليس لديهم رغبة في إجراء الانتخابات.

وظهر محبطا في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن والتي كان ملخصها أنه فشل في جمع الأطراف الرئيسية إلى طاولة الحوار، والتي أعلن عقبها استقالته من منصبه، ووصوله إلى طريق مسدود بعد أكثر من عام ونصف اتسمت بالفشل في إقناع الأطراف الليبية بالدخول في عملية سياسية تنتهي بإجراء انتخابات عامة.