منذ اكتشاف الفيتامينات الأولى في بداية القرن العشرين، كان المتخصصون يصفونها للمرضى الذين يعانون من أمراض مرتبطة بنقص الفيتامينات. وسرعان ما اتضح أنها لم تكن فعالة دائمًا مثل نظيرتها الطبيعية التي يوفرها النظام الغذائي، كما اكتشف الأطباء أن كثيرا منها قد تكون لها آثار جانبية.

وفي هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “لو فيغارو” lefigaro الفرنسية نقلت الكاتبة بولين لينا عن مديرة أبحاث المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية ماتيلد توفيي المختصة في علم الأوبئة والتغذية أن “قلة من السكان يعانون من نقص في الفيتامينات بشكل عام، باستثناء فيتامين “دي” (D)”.

ما الفيتامين؟

الفيتامينات جزيء عضوي على عكس الأملاح المعدنية والمغذيات الدقيقة التي تكون عبارة عن مركبات معدنية. ولا يضمن تناول الفيتامينات توفير الطاقة للجسم، غير أنها ضرورية لحدوث التفاعلات الكيميائية المختلفة، ولا ينتج الجسم الفيتامينات باستثناء فيتاميني “دي” و”كي” (K)، لذلك ينبغي الحرص على أخذ كفايتنا من بقية الفيتامينات عن طريق الأطعمة.

وكان من الضروري تحديد احتياجات الجسم من كل فيتامين، وتطوير فحوص لقياس نسبتها في الدم وتحديد الشكل والكمية الأكثر فعالية لتصحيح أي نقص منها. ورغم تحديد الاحتياجات بشكل موحد في جميع أنحاء العالم وتحديد المخاطر المرتبطة بتناول المكملات الغذائية بشكل منهجي واستخدامها بشكل غير مدروس، فإن الجرعات وأوجه القصور في المتابعة تظل موضع نقاش.

اليوم بعد ما يقرب من قرن من البحوث العلمية، من الواضح حسب الدراسات السريرية والوبائية – كما هي الحال في بداية القرن العشرين- أن الغذاء يمثل أفضل مصدر لتعويض النقص في الفيتامينات. وأظهر نوعان فقط من المكملات الغذائية نجاعة واضحة؛ هما فيتامين “دي” وفيتامين “بي9” (B9) (حمض الفوليك Folate)، الذي يوصف عادة للحوامل لأنه يساعد في منع التشوهات الخطيرة عند الأطفال حديثي الولادة، أما بالنسبة للفيتامينات الأخرى وفي الحالات العادية فإن النظام الغذائي يظل أفضل طريقة لتجنب النقص أو الجرعات الزائدة.

ولاحظت اختصاصية تغذية الأطفال وأمراض الجهاز الهضمي في مستشفى تروسو في باريس البروفيسورة إليزابيث دوبرن عودة ظهور حالات الإسقربوط المرتبط بنقص الفيتامين “سي” (C) على مدى 10 سنوات لدى العائلات التي تتبع نظامًا غذائيًا غير متوازن، إما بسبب انتقائية الأطفال في الأكل أو قرارات غذائية غريبة الأطوار.

وأوضحت دوبرن أن حالات عدم التحمل البسيطة لدى الأطفال تكون غالبًا مؤقتة ولا علاقة لها بالحساسية، ولكنها تدفع الآباء أحيانًا إلى التوقف عن استهلاك بعض الأطعمة. وأشارت إلى أن مختصي الحساسية وحدهم يستطيعون تحديد الحساسية الغذائية واقتراح نظام غذائي لتجنب النقص في الفيتامينات.

استراتيجية التكيف

نادرًا ما تكون اختبارات الدم مفيدة في تحديد نقص الفيتامينات أو المساعدة في تصحيحها، وبدل ذلك يمكن طرح أسئلة حول العادات الغذائية ونمط الحياة لتحديد مخاطر النقص في الفيتامينات قبل ظهور الأعراض. فعلى سبيل المثال، يمكن للأطباء التحقق من أن كمية الحديد التي يستهلكها الأشخاص النباتيون من البقوليات كافية لتعويض غياب اللحوم الحمراء. ويحتاج الشخص الذي يتبع النظام الغذائي النباتي الخالي من أي بروتين حيواني تناول مكملات الفيتامين “بي 12” وبعض العناصر الغذائية الأخرى. ويمكن أن تجعلك قلة التمارين الرياضية وعدم التعرض لأشعة الشمس أكثر عرضة لخطر الإصابة بنقص الفيتامين “دي”.

وفي معظم الحالات، يكون توفير المعلومات الغذائية الجيدة كافيا للحد من خطر نقص الفيتامينات، إلى جانب ضرورة تكييف توصيات الصحة العامة مع تغيرات العادات الغذائية لدى الأشخاص. فمثلا أدت النصيحة الشهيرة “تناول 5 أنواع من الفواكه والخضروات يوميا” إلى تشجيع الأشخاص على تناول العصائر التي تحتوي على كمية أقل من الفيتامين “سي” وسكر أكثر.

ونتيجة لذلك استبعدت الوكالة الوطنية لسلامة الغذاء في أبريل/نيسان 2021 العصائر من قائمة الفواكه والخضروات على أمل أن يستبدل المراهقون الذين اعتادوا الاكتفاء بعصير الفاكهة على الإفطار هذه العادة بتناول كوب من الحليب لتعويض نقص الكالسيوم.

تساعد استراتيجية تكييف التوصيات في معرفة التدخلات الطبية الأكثر فعالية، بما في ذلك على المستوى الفردي: معرفة المرضى وتحديد احتياجاتهم بناء على سنهم ونمط حياتهم ووضعهم الصحي، وضمان تلبية النظام الغذائي الذي يتبعونه لهذه الاحتياجات، وتحديد الجرعة اللازمة من المكملات الغذائية في حال كان تغيير العادات الغذائية غير كافٍ. وفي كثير من الأحيان، يستغرق هذا النهج في العلاج وقتا أطول مقارنة بفحص الدم أو وصف الفيتامينات، لكنه يكون ناجعا أكثر على المدى الطويل.

المراهقون والنمو

إن عدم التمتع بقسط كاف من النوم وصعوبة الاستيقاظ صباحا تدفع المراهقين -الذين لا تزال أجسامهم في مرحلة النمو- إلى استبدال الحليب والعناصر الغذائية المفيدة بالخبز المحمص مع الشوكولاتة أو استبدال حبوب الإفطار بكوب من عصير الفاكهة الحلو الخالي من المغذيات. وفي حال عدم تقديم الوالدين أو المطعم المدرسي خيارات غذائية صحية ومتنوعة في بقية الوجبات، أو اتباع المراهقين نظاما غذائيا غير متوازن قد يؤدي ذلك إلى نقص في بعض الفيتامينات مثل فيتامينات “بي 12″ و”سي” و”إيه” (A).

الحمل وفيتامين “بي9”

يعد فيتامين “بي9” وفيتامين “دي” ضروريين خلال الحمل من أجل ضمان نمو كامل للجنين، أما بالنسبة للفيتامينات الأخرى فإذا كانت الأم لا تعاني من نقص فيها فلن يفتقر لها الجنين، علما أن الإفراط في تناول المكملات الغذائية يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة الجنين. وفي فترة الرضاعة يحصل الطفل على كميات كبيرة من الفيتامينات والكالسيوم التي يجب على الأم تعويض النقص فيها عن طريق اتباع نظام غذائي متنوع وغني.

كبار السن

أثبتت الدراسات أن تناول مكملات فيتامين “دي” مع بلوغ سن الـ50 يساعد في الوقاية من الإصابة بهشاشة العظام، وتجنب بعض اضطرابات القلب والأوعية الدموية. وفي الواقع، ينتج الجسم هذا النوع من الفيتامينات بكميات قليلة لذلك ينبغي تناول المكملات بشكل منتظم وبجرعات منخفضة لتجنب ارتفاع مستويات الكالسيوم.

المصدر: لوفيغارو