الركود التضخمي هو مصطلح لم يعرفه العالم قبل سبعينيات القرن الماضي، وظهر هذا المصطلح بالتحديد في أمريكا، عقب حظر النفط عام 1973، وذلك عندما تعرضت البلاد لتضخم مرتفع وتباطؤ في النمو الاقتصادي في نفس الوقت، وحينها ظن الكثيرون عدم إمكانية حدوثه، ومن أشهر أسباب حدوث الركود التضخمي الآتي :
– ضعف الإنتاجية بسبب الأزمات ( طبيعية أو مفتعلة)
– الإفراط في إتاحة المعروض النقدي
– ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والغذاء
– زيادة الإنفاق الحكومي بدون خطة مدروسة أو استراتيجية مستقبلية
– شح السيولة في المصارف
– انخفاض قيمة الدينار
وأبرز ملامح الركود التضخمي في الدولة هي:
– تفشي البطالة
– انخفاض مستوى المعيشة للأسرة
– انخفاض مستوى الدخل للمواطن
– انتشار حالات إفلاس بين التجار والشركات
– كثرة المعروض من السلع وارتفاع أسعارها
– تراجع الطلب وانخفاض القدرة الشرائية للفرد
ومن خلال ما سبق، نستطيع القول بأن ما تمر به ليبيا حاليا هو حالة واقعية مكتملة الملامح لما يعرف بالركود التضخمي، فنحن نمر بتضخم مرتفع مقرون بتباطؤ في النمو الاقتصادي، أمام غياب كامل لمؤسسات الدولة الحكومية، إضافة لترك المواطن والقطاع الخاص وحيدا أمام طاحونة الركود التضخمي التي لا تبقي ولاتذر.
وللأسف الحكومة منشغلة بأمور أخرى من أجل إطالة أمد بقائها في السلطة، وأهملت التصدي لهذه الأزمة الاقتصادية، التي قد تسبب – لا سمح الله- انهيارالبلد بقطاعيه العام والخاص، فالجميع شاهد وعايش ما أقدمت عليه الحكومة من سياسات عبثية في الإنفاق، حيث كانت سببا في الإسراع بوقوع ليبيا كدولة نفظية تحت طائلة كابوس الركود التضخمي دون أدنى مقاومة.
فمثلا رفع بند المرتبات بشكل كبير وانتقائي لبعض الشرائح دون غيرها، وما نتج عنه من إضعاف قيمة الدينار الليبي وازدياد الإنفاق علي السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، كما أن ارتفاع بند النفقات التسييرية دون خطط واضحة ومدروسة واستخدام هذا البند من أجل مآرب خاصة، بعيدا عن ضوابط ما وضع له
كذلك بند التنمية الذي استقر في جيوب فئة محددة من شركات المقاولات وأحد الأجهزة شبه المملوكة للحكومة، وبالطبع لا نُغفل بند الطوارئ وما خلفه من اضطراب في ميزان نفوذ المال داخل السوق المحلي وخارجه، فكل هذا وأكثر سرّع في وقوعنا أمام كابوس الركود التضخمي للأسباب المذكورة أعلاه.
وهنا لا أضع اللوم فقط علي حكومة الدبيبة، لأنني لا أستطيع تحميلها وزر هذه المغامرة منفردة، فشركاؤها أيضا مسؤولون عما يحدث، وفي مقدمتهم المصرف المركزي وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، لأنهم كانوا ولا زالوا هم المحللون لما يحدث من عبث، على الرغم من قناعتهم بأن ما تقوم به الحكومة هو استنزاف وإهدار لمقدرات البلاد.
ففي كل الدول يكون للبنك المركزي الدور الأبرز في وضع سياسة نقدية لمواجهة ما تتعرض له البلاد من أزمات، ويكون للأجهزة الرقابية الدور المكمل في ضبط السياسة المالية وإدارة الأزمات.
ولعل سائلا يسأل مدافعا عن ما قامت به وتقوم به حكومة الدبيبة؛ قائلا إن الركود التضخمي أزمة عالمية وليست في ليبيا فقط، وهنا أوضح أنها فعلا أزمة عالمية، ولكنها تتفاوت بين دولة وأخرى، فمعظم الدول اتخذت إجراءات لمواجهة الركود التضخمي للتخفيف عن مواطنيها وحفظ مقدراتها، وسارعت في وضع سياسة نقدية مدروسة، واتخاد خطوات من شأنها خفض معدلات البطالة وتقوية القيمة السوقية لعملتها، وترتيبات لامتصاص السيولة المعروضة في السوق، وغيرها من السياسات الاحترازية.
ونتيجة لضعف مستوى الأداء الحكومي، وتوسعها في سياسة الترضيات (مادية ومعنوية)، وإهمالها معالجة الوضع الاقتصادي، ومواجهة طوفان الركود التضخمي، سنشهد تحقق كثير من الملامح التي ذكرتها، أعلاه التي من شأنها قيادة البلد نحو موجة من الإفلاس تعصف بكثير من التجار، وتآكل دخول المواطنين ومدخراتهم، وتنهي مسيرة عدد من الأسماء التجارية في السوق المحلي .
أخيرا قد يسأل السائل هل يوجد حل وعلاج لأزمة الركود التضخمي ؟
والرد هو لا يوجد حل جذري، ولكن توجد ترتيبات تخفف وطأة وشدة هذا الكابوس، وعلي الحكومة والمؤسسة المصرفية بالدولة الإسراع في وضع السياسات النقدية اللازمة، وعلي الأقل معالجة التضخم مبدئيا، والابتعاد نهائيا عن تمويل ميزانية
الدولة لتغطية نفقاتها عبر مبيعات النقد الأجنبي، والبحث بجد وصدق واجتهاد عن إيرادات تعزز دور القطاع الخاص، ولا تستنزف مدخرات المواطنين.

الكاتب والمحلل السياسي محمد غميم