قال المجلس الأطلسي، إن الأزمة الليبية وصلت إلى حالة ركود هش وفي حالة انهيار مُلِحّة، مضيفا: “ما بدا في السابق توازنًا هشًا، بفضل عائدات النفط الهشة، وميزان المدفوعات الهش، وإرهاق الصراع، بات الآن حالة تدهور واضح، ولم تعد الأرقام المالية قابلة للإنكار، ولم تعد العواقب بعيدة المنال، وتبدد وهم الاستقرار الاقتصادي في البلاد”.
وأضاف المجلس أنه ومن عدة أشهر حذّر الخبراء الاقتصاديون والمحللون من هذا المسار، ولم تكن توقعاتهم مبنية على نماذج مجردة، بل على ملاحظات يومية: ارتفاع التضخم، واتساع عجز الموازنة، واختفاء الرقابة العامة تدريجيًا.
وأشار إلى ما نشره مصرف ليبيا المركزي من تحذيرات لاذعة: ففي عام 2024، أنفقت حكومة الدبيبة أكثر من 109 مليارات دينار ليبي، بينما تراكمت على الحكومة الموازية في الشرق أكثر من 49 مليارًا من الالتزامات خارج الميزانية، ولا يعكس أيٌّ من الرقمين أي تنسيق أو ضبط للنفس، بل مجرد تصرفات مسؤولين إما جاهلين أو غير مبالين بعواقب الإنفاق غير المنضبط.
و بحسب المجلس كشف كلا الدفترين عن حجم الفوضى المالية، لافتا إلى اضطرار المصرف المركزي لتعديل سعر الصرف الرسمي مع الإبقاء على عمولته الإضافية البالغة 15% على مشتريات العملات الأجنبية.
وباعتبارها تعديلًا فنيًا، تُعدّ هذه الخطوة حلاً مؤقتًا – محاولةً لاستيعاب التجاوزات السياسية في ظل انكماش المساحة النقدية. وتُؤكد هذه الخطوة حقيقةً أعمق: لم تعد المؤسسات المالية الليبية تُوجّه الاقتصاد، بل تستعدّ لمواجهة تفككه، حسب التقرير.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حلت آليات غامضة ومرتجلة بشكل مطرد محل قنوات الإيرادات الرسمية. في البداية، كانت هذه الحلول البديلة تُعتبر حلاً وسطًا مقبولًا وهو ثمن ضروري للحفاظ على هدوء هش وتجنب تجدد الصراع. لكن ما كان يُنظر إليه في السابق على أنه تسوية مؤقتة قد تحول إلى نظام كامل للإدارة الاقتصادية، نظام تغيب فيه المساءلة ولا يخضع للرقابة.
وأصبحت صفقات مقايضة النفط الخام بالوقود، التي كانت تُؤطر في السابق كحل عملي، روتينيةً وتتجاوز الميزانية الوطنية وتُدار من خلال قنوات غامضة دون رقابة عامة، حيث إنها تتجاوز الميزانية الوطنية بشكل روتيني تمامًا، وغالبًا ما يتم التفاوض عليها من خلال وسطاء غير رسميين مع شبكات عابرة للحدود الوطنية ودون تدقيق عام.
وبالرغم من تعهد المؤسسة الوطنية للنفط بإنهاء مقايضات النفط الخام بالوقود بحلول مارس 2025، إلا أن هذه الصفقات تطغى عليها بالفعل ترتيبات أكثر تفصيلاً وغموضًا، وهو ما أحدث تطورًا في نظام الفساد المبتكر في ليبيا.
مشيرا إلى استخدام شركة أركنو كوسيلة لصادرات النفط الموازية ويشرف على تشغليها جهات فاعلة متحالفة مع قائد القيادة العامة خليفة حفتر وتعمل كقناة مالية للمصالح العسكرية والسياسية الشرقية.
ففي عام 2024 صدّرت أركنو بشكل مستقل ما يقرب من 460 مليون دولار من النفط الخام بموجب صفقة معتمدة من حكومة الوحدة، في غياب أي عطاءات شفافة أو تدقيق أو نشر للشروط.
واعتبارًا من عام 2025، لا تزال الشركة نشطة وتواصل رفع النفط الخام شهريًا من المؤسسة الوطنية للنفط وتقع في قلب نظام ناشئ يتم فيه إعادة استخدام الأصول المرتبطة بالدولة لتمويل الجهات السياسية الفاعلة خارج القنوات الرسمية.
وبحسب المجلس، فإن معالجة هذا الانهيار تتطلب إعادة تنظيم سياسي وإعادة التركيز على المؤسسات الاقتصادية الليبية لتصبح مراكزَ حوكمة وطنية، لا أدواتٍ للتمويل الفئوي.
ويجب حماية المؤسسات التي تُدير عائدات النفط، وتتحكم في صرفها، وتُشرف على المشتريات، وإصلاحها، وفي كثير من الحالات إعادة بنائها، ليس فقط بقوانين جديدة، بل بحوافز وحماية جديدة، وتعزيز حضورها العام.
ووفقا للمجلس، يجب على الجهات الفاعلة الدولية -المانحين والمؤسسات متعددة الأطراف والمبعوثين الدبلوماسيين- التوقف عن التعامل مع الانهيار الاقتصادي الليبي على أنه مجرد نتيجة ثانوية لتشرذمها السياسي، مشيراً إلى أن الاستقرار المصنوع من الفساد ليس استقرارًا على الإطلاق.
وفي حين يتم التركيز كثيرًا على توحيد الحكومة، فإن القيام بذلك دون إصلاح بنيتها المالية لن يؤدي إلا إلى مركزية الفساد تحت سلطة تنفيذية واحدة وقد يؤدي ذلك إلى تماسك مؤقت، لكنه لن يشكل تقدمًا.
ليبيا ليست محكومةً بالفشل الاقتصادي، لكن مسارها الحالي غير قابل للاستدامة، ليس فقط لانخفاض سعر برميل النفط، بل لتبخر الإرادة السياسية للحكم بنزاهة منذ زمن طويل، بحسب المجلس الأطلسي.