تعتبر مشكلة الركود التضخمي من أخطر المشاكل التي يمكن أن يعاني منها أي اقتصاد، ويمكن تعريفها على أنها الحالة التي تتسارع فيها معدلات التضخم؛ مصحوبة بزيادة تدريجية في معدلات البطالة وانخفاض في مستوى الإنتاجية.
والمتتبع للوضع الاقتصادي في ليبيا يلاحظ أن هناك مؤشرات لوجود هذه المشكلة، حيث يعتمد الاقتصاديون في قياس معدلات الركود التضخمي على مؤشر رياضي مركب من معدلي البطالة والتضخم.
معدل الركود التضخمي = معدل البطالة + معدل التضخم
وبالتالي حتى نقول إن هناك ظاهرة ركود تضخمي لابد من تحقق الشرطين:
الشرط الأول: يجب أن يكون مجموع معدلي البطالة والتضخم أكبر من 8%..
الشرط الثاني: ان يكون معدلي البطالة والتضخم أكبر من 4 %. .
ولتحديد ما إذا كان هناك وجود لهذ الظاهرة من عدمه، سوف يتم تحليل ظاهرة التضخم والركود الاقتصادي، كلّ على حدة من خلال بعض المؤشرات كالأتي:-
*أولا: الركود الاقتصادي: يعرف الركود الاقتصادي على انه حالة من انخفاض مستوى الطلب الكلي على السلع والخدمات النهائية، مقارنة بالكميات المعروضة منها. حيث إن هذا الانخفاض يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في سوق العمل.
والمتتبع لحالة الاقتصاد الليبي يلاحظ وجود مؤشرات ميدانية حقيقية لانخفاض حجم الطلب على السلع والخدمات، ونظرا لعدم توفر بيانات حديثة متعلقة بالناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة في ليبيا من قبل الجهات الرسمية، حيث تم الاعتماد على بعض المشاهدات من خلال التواصل مع العديد من التجار، والذين يتحدثون عن انخفاض حجم الطلب على السلع والخدمات التي يعرضونها (زيادة في العرض) خلال الأشهر القليلة الماضية.
كذلك انخفاض في أعداد الحاويات المحملة بالبضائع التي تصل الى الموانئ الليبية المختلفة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
كما بينت البيانات المنشورة من قبل المصرف المركزي أن هناك تباطؤ كبير في معدلات الناتج المحلي الإجمالي للفترة الممتدة من (2013-2019), ويعد ذلك من أهم المؤشرات لوجود ظاهرة الركود الاقتصادي في ليبيا.
اما الاستشهاد يقيمه الاعتمادات المسندية التي فتحت خلال السبع أشهر الماضية في تفنيد وجود ركود اقتصادي، أعتقد أنه استدلال غير علمي، كون أن ارتفاع هذه القيم (زيادة العرض) مؤشر يعزز وجود ظاهرة الركود الاقتصادي، من خلال زيادة العرض الكلي من السلع مع انخفاض حجم الطلب على هذه السلع.
أيضا لا توجد تفاصيل بنوعية السلع الموردة من خلال هذه الاعتمادات، ناهيك عن تهريب النقد الأجنبي تحت غطاء الاعتمادات المسندية لتوريد السلع والخدمات.
*أسباب الركود الاقتصادي:-
هناك عدة أسباب أدت الى هذا الركود ومن أهمها:
انخفاض حجم العرض النقدي: انخفاض حجم العرض النقدي (عملة بالتداول + ودائع تحت الطلب) في فترة زمنية قصيرة، حيث انخفض من (122) مليار دينار تقريبا عام (2020) الى (100) مليار دينار تقريبا في الربع الثاني من عام 2012 بنسبة بلغت (-18%)..
كما انخفضت قيمة العملة بالتداول (العملة لدى الجمهور) من (39) مليار دينار تقريبا إلى (31) مليار دينار بنسبة بلغت (-20%) تقريبا.
هدا الانخفاض الناتج عن تغيير سعر الصرف، أصبحت بمثابه سياسة انكماشية اتبعها المصرف المركزي أدت في النهاية إلى تقليص عرض النقود، ومن ثم انخفاض حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات.
التضخم المستورد: أدى التضخم المستورد الناتج عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات عالميا، كذلك ارتفاع تكاليف الشحن (النقل)، إلى انخفاض القوة الشرائية ومن ثم انخفاض حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات، نظرا لانكشاف الاقتصاد الليبي بدرجة كبيرة على العالم الخارجي.
*ثانيا: التضخم: يعرف التضخم على أنه الارتفاع العام والمستمر في المستوى العام للأسعار.
ومن خلال البيانات الواردة من خلال النشرة الاقتصادية الصادرة من مصرف ليبيا مركزي يلاحظ ارتفاعا في معدلات التضخم نسبيا خلال الفترة من (2020 حتى يونيو 2022)، حيث ارتفعت معدلات التضخم من (1.4%) عام (2020) إلى (2.8%) خلال عام (2021)، ليصل الى (5.0%) في (يونيو- 2022).
ويمكن إيعاز ارتفاع معدلات التضخم الى أسباب خارجية بالدرجة الأولى (تضخم مستورد)، وليس بسبب ارتفاع حجم الطلب على السلع والخدمات الناتج عن التوسع في حجم الانفاق.
*مؤشرات حقيقية:-
ومن خلال ما سبق يمكن استنتاج بوجود مؤشرات حقيقية لظاهرة الركود التضخمي، رغم قلة البيانات التي يفترض أن تصدرها الجهات الرسمية بالدولة الليبية، ومن خلال تطور مؤشرات التضخم وكذلك انخفاض حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات؛ يمكن القول أن الاقتصاد يمر الآن بحالة من عدم التوازن الكلي (فجوة بين الطلب الكلي والعرض الكلي)، أي تفاعل وصراع حقيقي بين قوى الطلب وقوى العرض، ولاشك سيقود هذا الصراع في النهاية الى حالة توازن جديدة على مستوى الاقتصاد الكلي، ولكن هذا الصراع سيكون له ضحايا متمثلة في إغلاق بعض المتاجر وخروجهم من السوق، كذلك ارتفاع في معدلات البطالة.
*المعالجات:-
تعتبر مشكلة الركود التضخمي من أصعب المشاكلة الاقتصادية من حيث المعالجات، مثلا التقليل من حدة التضخم من خلال تقليص حجم الإنفاق العام قد تقود الى ركود اقتصاد طويل الأمد يتحول إلى كساد، ومن جهة أخرى معالجة الركود من خلال زيادة حجم الإنفاق، ومن ثم التأثير على عرض النقود بالارتفاع قد يقود إلى ارتفاع أكبر في معدلات التضخم.
ولهذا قد يكون الحل في تعزيز قيمة الدينار الليبي بنسبة 25% بشكل تدريجي هو الحل الأنجع في مثل حالة الاقتصاد الليبي. كذلك ظهور الآن مؤشرات بانخفاض أسعار السلع العالمية وكذلك انخفاض تكاليف النقل سوف تؤثر بشكل إيجابي على المستوى العام للأسعار بالانخفاض. وبالتالي تنشيط حجم الطلب الكلي.
مقال للكاتب وأستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة عبدالحميد الفضيل