كان من الممكن للولايات المتحدة وبريطانيا استغلال مساعدتهما للشعب الليبي في التخلص من الدكتاتورية في عام 2011 لتحسين صورتهما وإقامة علاقات قوية مع ليبيا، تفتح أمامهما أبواب التعاون الاقتصادي والاستثماري في بلد مدمّر، ويحتاج إلى إعادة البناء والتنمية في كل المجالات، وفي نفس الوقت يحتوي على موارد اقتصادية لا حصر لها قابلة للاستغلال، ويمكن أن يجني المستثمرون فيه مليارات الدولارات، ولكن يبدو أن البلدين لم يتخلصا بعد من العقلية الاستعمارية التي كانت سائدة على مدى القرون الماضية، ولم يدركا بعد أن التحكم في الإرادات الوطنية بأي شكل غير مقبول، وأن الشعوب مهما كان حجم الكبوات التي تتعرض لها؛ سوف تنهض من جديد، وأن سياسة خلق العملاء الذين يحكمون بالوكالة لن تنجح في ليبيا؛ مهما كان حجم التآمر والتخطيط المخابراتي، وأن مرحلة تحكم مواطني الدولتين من أصول ليبية في مفاصل الدولة الليبية سوف تنتهي قريبًا.
لا يمكن للعلاقات الليبية مع البلدان الغربية ذات التاريخ الاستعماري أن تستقيم؛ ما لم تتحرر الدول المعنية من نظرة التعالي الاستعمارية، وتتوقف عن نسج المؤامرات وتشجيع الخلاف بين الليبيين وزرع الشكوك بينهم ومعارضة كل توافق يصلون إليه بمحض إرادتهم للخروج من الأزمة والعودة إلى المسار الديمقراطي.
لقد عملت أمريكا وبريطانيا بانتظام على شل عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وحولتا رؤساء البعثة المتتاليين إلى مجرد أداة لتنفيذ سياساتهما، وإهمال الدور الأساسي للبعثة، وكل ما من شأنه أن يبني مؤسسات قوية وفاعلة، وينهي الفوضى الأمنية في ليبيا.
موقف الولايات المتحدة وبريطانيا من حكومة السيد فتحي باشاغا، وهي أول حكومة تحظى بدعم مجلسي النواب والدولة، كان وقحًا ومتعجرفًا ومخالفًا لكل الأعراف الدبلوماسية، ومع ذلك تبنته السيدة ستيفاني ويليامز ممثلة المخابرات الامريكية، التي فُرِضت على مجلس الأمن كمستشارة للأمين العام في ليبيا، لكي تفسد الحوار السياسي وتُنصِّب أشهر الفاسدين كرئيس للحكومة بصلاحيات مطلقة، رغم ثبوت تزويره لمؤهله العلمي وحمله للجنسية الأجنبية، وقامت بتحريضه على عدم تسليم السلطة إلى أن تُجري الانتخابات التي أجهضها هو شخصيًا.
هذا الموقف المخزي للولايات المتحدة وبريطانيا ليس سوى تحريضًا على الحرب، التي لا شك قادمة إذا استمر السيد الدبيبة في تعنته، ولم يسلم السلطة إلى الحكومة الشرعية برئاسة السيد فتحي باشاغا، وعند ذلك ستتحمل الدولتان المسؤولية عن كل الخسائر البشرية والمادية التي تنتج عن ذلك، وسيكون هذا الموقف عائقًا أمام تطوير العلاقات الليبية مع البلدين في المستقبل.
لقد حان الوقت لأن تتوقف الدول الغربية عن التدخل في الشأن الليبي، وتضخيم دور روسيا في ليبيا ونذكرها بأن ليبيا دولة غير منحازة، ترحب بالتعاون مع الجميع وغير مستعدة لتقديم أي تسهيلات عسكرية لأيٍ من التحالفات والقوى الكبرى، وهو موقف مبدئي وأصبح التمسك به أكثر الحاحًا، في ظل التطورات الدولية الراهنة وعودة الحرب الباردة بين القوى العظمى.