قال الخبير الاقتصادي محسن الدريجة، إن “اقتصادنا تم التعامل معه خلال السنوات الثلاثة السابقة على أنها سنوات متوسطة الدخل، ولكن في الحقيقة هذه السنوات كان فيها دخل النفط مرتفع، وقياساً بالماضي كانت من المفترض أن تكون سنوات رخاء وتوفير”.
وأضاف الدريجة، في تصريح صحفي، “للأسف فكرة أن الرخاء يأتي بزيادة في المرتبات والمنح فكرة خاطئة، لأن ليبيا تستورد تقريباً كل شيء من الخارج، وكان الصحيح التركيز على القوة الشرائية وإحداث تعديلات على مرتبات أصحاب الدخل المنخفض مثل المعاش الأساسي وزيادة فئات تعاني انخفاض الدخل بعينها وليس لقطاعات كاملة دون قطاعات كما حدث”.
وأردف أن “البديل السليم عن رفع كل المرتبات هو العمل على زيادة القوة الشرائية. هذه المعالجة لتحسين الدخل تساعد حتى على مكافحة التضخم الذي التهم الان زيادة المرتبات وأكثر بسبب زيادة كمية الدينار الليبي بشكل كبير مقارنة بالعملة الاجنبية المتوفرة من خلال بيع النفط”.
وتابع قائلاً : النتيجة الآن وجود كمية رهيبة من الدينار الليبي فالميزانية وصلت الآن إلى 165مليار دينار ولهذا عند حدوث انخفاض في أسعار النفط سوف نواجه مشكلة كبيرة وهي كيفية تغطية الميزانية”.
وأكمل الدريجة، “لو تصورنا أن دخل ليبيا من النفط هو 15 مليار دولار كيف نغطي مثلاً بند المرتبات الذي يصل إلى 12 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي، ودعم المحروقات الذي وصل الى 13 مليار دولار وبنود دعم اخرى مثل الأدوية والمواد المستخدمة في قطاع الصحة تجاوزت 3 مليار دولار والميزانية التسييرية والتي تقدر بما يعادل حوالي 4 مليار دولار”.
وواصل حديثه، “هذه نفقات أساسية تحتاج أن يكون سعر النفط في حدود 75 إلى 80 دولار للبرميل على الاقل”، مضيفاً أن “الإصلاح الذي كان في الماضي سهل الآن سوف يصبح أصعب وهذا سببه السياسات الخاطئة”.
وبحسب” الدريجة”، فإن “قياس الاحتياطي والمدخرات هذا في حد ذاته مشكلة وهذا معناه أنك تعد نفسك من أجل استهلاك المدخرات”، مضيفاً: “صحيح أننا لدينا احتياطيات جيدة ولكن الإنفاق الكبير للأموال سوف يجعلك تعود للاحتياطي وسوف تقضي عليه خلال سنة أو سنتين وبعد ذلك ماذا تفعل عندما لا توجد احتياطيات ولا قدرة على تغطية الميزانية؟”
وأضاف أيضاً: أن “القول بإن تونس لديها فقط 7 مليار دولار احتياطي وميسورة الحال كمقارنة بالحالة الليبية، فهذا لأنها دولة مصدرة بقيمة 21 مليار دولار في السنة و90% من صادراتها ليست لها علاقة بالنفط بل هي مواد مصنعة وكذلك منتجات زراعية”.
وتابع، “ولكن نحن ليس لدينا إلا النفط في حال انخفاض سعر النفط يتأزم الاقتصاد، ونحن نحتاج احتياطيات أكبر بكثير مما تحتاجه تونس التي تتحصل على العملات الأجنبية من مصادر متنوعة وليست مكشوفة على تقلبات سوق النفط كما هي ليبيا، وهناك تأرجح في أسعار النفط والاقتصاد الليبي جداً حساس لهذا التأرجح”.
وقال “غير ممكن وغير سليم أن يتم وضع ميزانية سنوية بناءً على أن سعر النفط سوف يبقى دائما 80 إلى 100 دولار للبرميل، وقد عاصرنا انخفاضه إلى 25 دولار للبرميل خلال العشرة سنوات الماضية، متسائلاً ماذا سوف نفعل إذا انخفض سعر النفط وامسى الدخل 8 أو 9 مليار دولار؟”.
وأوضح أن “معنى كلمة الاحتياطيات هي الأموال الحرة (العملة الأجنبية السائلة أو شبه السائلة التي تستخدم في الميزانية عند الحاجة) والتي يستطيع المركزي إستخدامها في معالجة أزمات قصيرة المدى، ولا توجد دولة تحسب احتياطاتها بحساب كل أصولها بالعملة الاجنبية التي لديها, الاحتياطيات هي بتعريفها لمواجهة تذبذب الدخل لسد العجز على المدى القصير وليست بديل عنه”.
وختم “الدريجة” قوله “لتبسيط الفكرة، لنأخذ كمثال مواطن لديه دخل من عمله ولكن تواجهه بعض تقلبات الدخل الموسمية، المواطن يدخر مبلغ خلال فترة ارتفاع دخله لمواجهة نقص الدخل خلال فترات أخرى، إذا قام الشخص بإنفاق كل دخله في فترة ارتفاعه ماذا سيفعل في فترة انخفاضه؟ هل يبيع بيته بحجة أنها احتياطيات أو مدخرات؟ أظن أن الجميع يدرك أن هذا تصرف غير رشيد وسيؤدي إلى الفقر”.