سمعت عن ندوة أقامها مركز الحقيقة للدراسات السياسية والثقافية في اسطنبول بعنوان (دار الإفتاء الليبية.. التميز والتحديات)
وأنا لم أدع لها -ربما بسبب ظروف سفري- ولم أطّلع على ما دار فيها من خير، إلا أنها دون شك مبادرة طيبة نافعة إذا ما تخللها نصح صادق شجاع لفريق الدار، فالمدح والثناء والتعريف أمر مهم، ويزيد من رصيد الود والعاطفة بين الذين يتبادلونه، ولكن الأهم والأنفع لأي فرد أو مؤسسة هو البحث عن التحديات الكبرى؛ أي: “التحديات المتعلقة بالمنهجية والخطاب” واستخراج نقاط القوة وتثبيتها وتطويرها، ونقاط الضعف واستدراكها وترميمها، بخاصة فيما يتعلق بالخطاب الديني المتعلق بالشأن العام، حيث تحتاج الدار-بحسب متابعتي لخطابها- إلى لجنة موسعة من علماء وخبراء، ويفضل أن يكونوا مستقلين -تجنباً للتحيز أو المجاملة – وهو أمر تقوم به كل المؤسسات الرائدة في العالم، بل هو سنة حضارية تعكس قِيَم المحاسبة والتدقيق والمراقبة التي أمرنا بها الإسلام الحنيف… ويمكن أن يُعرض على هذه اللجنة خطاب الشيخ قُبيل توجيهه للعامة من خلال قناة التناصح، وهذا الإجراء ينفع ولا يضر، ومن شأنه التخفيف من حدة التعبيرات الدينية الموجهة إلى المخالفين لرؤية الشيخ السياسية ، أو ضعف “صياغة” الفتاوى السياسية في بعض الأحيان.
فالشيخ حفظه الله، تخونه العبارات أحياناً بسبب حرقته على البلاد وخوفه من عودة الاستبداد، فيصدر أحكاماً يظن عامة الناس من غير المتخصصين أنها دين وفتوى يجب أخذها والتقرب بها إلى الله تعالى، ولا يستطيعون التمييز بين الخطاب السياسي الدعوي التعبوي للشيخ الذي يتكلم فيه بعفوية، وبين التوقيع عن رب العالمين في شأن الحلال والحرام، وحساسية “صناعة” الفتوى التي تتطلب دقةً في التعبير بخاصة في قضايا الدماء والمال العام والخاص والحرب والسلم،… وكل ما يتعلق بتدبير الشأن العام في بلد ينتشر فيه السلاح ويغيب فيه سلطان القانون ويسهل على الغلاة استباحة دم أي مسلم بشِق فتوى.
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو لجنة الستين “ونيس المبروك”.