يُشير مصطلح الكنعانيون إلى الناس الذين عاشوا قديماً في أرض كنعان، ووفقاً للسجلات يُعتقد أنّ أرض كنعان تضم أجزاء من فلسطين، ولبنان، وسوريا، والأردن، وتُعدّ سجلات تل العمارنة في مصر والتناخ أكثر السجلات التاريخية تفصيلاً بما يتعلق بذلك، كما تُشير الآثار الموجودة في المواقع التي عاش فيها الكنعانيون إلى أنّهم كانوا ينتمون إلى أعراق مختلفة وتوحدّوا سياسياً في مملكة واحدة.
عُرِفت أرض كنعان بالأرض التي تتدفّق بالحليب والعسل، وعاش فيها الكنعانيون حتى لعدة عصور من عبر التاريخ، ولكن العديد من الدراسات التاريخية أشارت إلى أنّ الكثير من العرب واليهود الذين عاشوا فيها في وقتٍ لاحق يحملون الجينات الكنعانية، وتُعدّ الثقافة الكنعانية مزيج من مهاجرين جبال القوقاز والسكان الأصليين لتلك المنطقة، وسادت الثقافة الكنعانية في بداية العصر البرونزي في منطقة ما بين مصر وما بين النهرين، واستمرت حتى عام 1200 ق. م.
يتحدث الكنعانيون اللغة السامية منذ آلاف السنين، إلا أنّ بعض المؤرخين يعتقدون بأنّ اللغة السامية مستمدّة من السكان الذين استقروا قبلهم في المنطقة، ولكن بعض علماء الآثار والمؤرخين أوجدوا في العديد من المواقع الأثرية التي تعود للحقبة الكنعانية؛ أنّ هناك بعض الأسماء الكنعانية المستمدة من اللغة الحورو-أورارتية؛ والتي يعود منشؤها إلى القوقاز.
كان هناك العديد من الحملات المصرية ضد المدن الكنعانية من حين لآخر، إلّا أنّ تقاطع طرقهما التجارية خفّف من وقع هذه الحملات، حتى استولى الكنعانيون على دلتا مصر، وأسّسوا سلالة عُرفت باسم سلالة الهكسوس أو ملوك الرعاة، الأمر الذي أدّى إلى إكساب المنطقة إرثاً غنياً تاريخياً وفنياً، حيث طوّروا من نظام الأبجدية الذي نُقِل إلى الفينيقيين فيما بعد، وسيطر الإمبراطور تاثموسيس الثالث على أرض كنعان طِوال فترة الإمبراطورية المصرية حول عام 1550 ق. م.، حتى هاجروا من أرض هابيرو كما عرفهم المصريين بهذا الاسم إلى التلال ليُصبحوا فيما بعد باسم فلسطين التاريخية.
أصل الكنعانيين ودولتهم
اختلف المؤرخون حول أصل الكنعانيين، وفيما يأتي أهمّ المعتقدات حول أصولهم:
يُشير الاعتقاد السائد بأنّ أصلهم يعود إلى شبه الجزيرة العربية، حيث هاجروا منها بأعدادٍ كبيرة شملت الأموريين، ثم هاجروا مرة أخرى في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد إلى البادية السورية، وتوجّهوا بعدئذ نحو الساحل السوري غرباً.
اعتقد المؤرخ فيلون الحبيلي أنّ الكنعانيين السكان الأصليين لموطنهم على الساحل السوري.
اعتقد المؤرخ اليوناني هيرودوت أنّ أصول الكنعانيين تعود للساحل الأرتيري، أيّ إلى البحر الأحمر.
اعتقد الجغرافي استرابون أنّ أصول الكنعانيين تعود للخليج العربي؛ نظراً لوجود معابد ومدن في الخليج العربي تحمل أسماء مطابقة لأسماء المدن الكنعانية المعروفة.
كان نظام الحكم في أرض كنعان حكماً يعتمد على الوراثة، ويكون الحاكم كاهن يهتم بإدارة المدينة ونفوذ الحياة العامة، ويُساعده رجالات المدينة الكبار والأثرياء تحت ما يُعرف بمجلس الشيوخ الذي كان له دور كبير في اتّخاذ القرارات في غياب الملك، وذُكِر أنّه كان يحق لمجلس الشيوخ في صيدا اتّخاذ إجراءات في حق الملك، ويجدر بالذكر أنّ أرض كنعان كانت مطمعاً للعديد من الدول العظمى رغم أنهم لم يكونوا يهتمون بالسيطرة العسكرية أو التوسع، واضطروا إلى بناء مستعمرات تجارية مسالمة في قبرص والمناطق القريبة نظراً لضيق مساحة أراضيهم.
موطن الكنعانيين
عُرِفت أرض كنعان منذ القدم في العديد من الكتب التي كان معظمها يُشير إلى أنّ فلسطين مكانها الأصلي -الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن-، إلا أنّ بعض المصادر كان يُشير إلى أنّها شملت سوريا وفلسطين، وبعضها أشار إلى أنّها تمثّلت بالشريط الساحلي الممتد من عكّا شمالاً، كما ذُكِرت كنعان وأرض كنعان في الكتابة المسمارية، ظلّت فلسطين أرضاً للكنعانيين حتى احتلها الاسرائيليون مبررين فعلتهم بأنّها الأرض التي وعدهم الله بها -حسب ما يدّعون-، واستمر احتلالهم لأرض فلسطين حتى الوقت الحالي.
تميّزت أرض كنعان بعراقتها على مدى السنين، ويُقال أيضاً بأن الحضارة الفينيقية هي نفسها الحضارة الكنعانية وفقاً لما جاء في العديد من النصوص، وسُميت أرض كنعان بهذا الاسم إشارةً إلى الكنعانيين؛ حيث يُعتقد في سفر التكوين بأنّهم أحفاد كنعان ابن حام وحفيد سيدنا نوح عليه السلام، كما يُعتقد بأنّ اسم كنعان مشتق من كلمةٍ سامية تُشير للون لأرجواني الأحمر (القرمزي)؛ وهو لون الصبغة التي كانت تُعرف المنطقة بإنتاجها.
ماذا عمل الكنعانيون؟
تعلم الكنعانيون التجارة البحرية، وأبدعوا فيها، وكان النشاط التجاري للكنعانيين يشمل جميع مناطق البحر المتوسط من جميع الجهات، حيث كانوا في فترة من الفترات من سادات البحر الأبيض المتوسط ومحتكري التجارة، كما أنّهم عُرِفوا بقدراتهم الملاحية ومغامراتهم التي وصلت مضيق جبل طارق.
كشفت الآثار عن أسلوب حياة الكنعانيين المتمثل بالحياة الزراعية خاصةً في أريحا قبل 8000 عام قبل الميلاد، وانتشرت الزراعة في المدن والقرى خاصة في الفترة النيلية حتى الحقبة التالية لها؛ والتي عرفت بالعصر الكلداني الذي تميّز باستخدام الفخار، والنحاس، والمنازل المبنية من الحجارة غير المحفورة والطوب الطيني.