علاء فاروق – باحث مصري في الشؤون المغاربية
جاء الاجتماع الدولي للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا في العاصمة الألمانية “برلين” ليحاول تحريك حالة الجمود السياسي الراهنة في المشهد السياسي والعسكري الليبي من أجل تحقيق تسوية شاملة وتوجه حقيقي نحو انتخابات حقيقية.
المجتمعون في برلين أكدوا على عدة أمور تخص الحراك والخطى الأممية في أروقة المشكل الليبي على رأسها مخرجات اللجنة الاستشارية الأخيرة والتي أعلنت عنها البعثة الأممية للدعم في ليبيا رسميا وعقدت عشرات اللقاءات حولها في محاولة لتحشيد موقف داخلي داعم.
خلصت نتائج المؤتمر الدولي إلى عدة أمور واضحة بخصوص عدة ملفات في الداخل الليبي تمثلت في التأكيد على أهمية عمل اللجنة الاستشارية في معالجة القضايا الخلافية الجوهرية، وضرورة تجديد التنسيق الدولي دعمًا لمخرجات اللجنة الاستشارية.
كما حملت مخرجات الاجتماع الدولي على لغة تهديدية في بعض بنوده في رسالة واضحة موجهة للأطراف المحلية في الدرجة الأولى ثم للأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة في الأزمة الليبية، بدعوة الحاضرين لجميع الأطراف إلى الامتناع عن أي خطوات أحادية قد تعمّق الانقسام، وكذلك تهديد مباشر لهذه الأطراف بأنه من يعرقل العملية السياسية سيُحاسب وفق قرارات مجلس الأمن.
ولم تكتف مخرجات مسار برلين 3 بتهديد الداخل الليبي لكنها وجهت نفس المطالبة التهديدية لجميع الأطراف الدولية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية كون هذا يتنافى مع سيادة الدولة وحلول الأزمة.
وبخصوص العملية الانتخابية ركزت المباحثات على ضرورة وضع خريطة طريق توافقية نحو الانتخابات والمؤسسات الموحدة بإطار قانوني وجدول زمني واضح.
وبحسب القائمين على المؤتمر الدولي (البعثة الأممية في ليبيا ووزارة الخارجية الألمانية) فإن الخطوة تهدف إلى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تصل إلى مرحلة الانتخابات في ظل تعثر الخطوات المحلية في الوصول إلى توافقات تدفع نحو أية عملية انتخابية قريبا.
ويأتي المؤتمر بعد أيام قليلة من إعلان البعثة الأممية للمخرجات النهائية التي توصلت إليها اللجنة الاستشارية المنبثقة عن بعثة الأمم المتحدة، ما قد يحمل في طياته محاولات أممية لحشد موقف دولي داعم لهذه المخرجات التي لم تطرح حتى الآن على مجلسي النواب والدولة.
وشهدت العاصمة الألمانية برلين اجتماعين دولين سابقين تحت مسمى برلين 1 وبرلين 2 الأول عقد بتاريخ 19 يناير 2020 بمبادرة من المستشارة الألمانية وقتها، أنجيلا ميركل، وخلص إلى ضرورة وقف التصعيدات والحروب والوصول إلى تسوية شاملة.
كما عقد المؤتمر الثاني بتاريخ 23 يونيو 2021، وانتهى بتوافقات حول ضرورة وضع خارطة طريق وجدول زمني للعملية الانتخابية في البلاد، لكن أيا من الاتفات لم تنفذ وتم الالتفاف حولها واختراقها ودخلت البلاد في حالة اقتتال لأكثر من مرة.
هذا الحراك الدولي تقابله حالة داخلية في ليبيا تنذر بوجود عراقيل تقابل هذه المخرجات تتمثل في استمرار حالة الانقسام والصدام السياسي بين مجلس النواب الليبي (شرقا) وبين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “الدبيبة”(غربا) والتي وصلت للتلاسن واتخاذ البرلمان خطوة تصعيدية بسحب الثقة من الحكومة وفتح باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة وهذه خطوة اعتبرها المجتمع الدولي خطوة أحادية قد تعرقل الوصول غلى تسوية شاملة.
أضف إلى ما سبق حالة الصدام العلني وتنازع الصلاحيات بين المجلس الرئاسي الليبي ومجلس النواب وادعاء كل منهما قانونية خطواته في قرارات تخص الدولة مثل الجانب العسكري واعتبار الرئاسي أنه القائد الأعلى للجيش في حين يؤكد البرلمان أنه صاحب هذا المنصب، ومؤخرا صداما جديدا بخصوص غقرار ميزانية عام 2025 وتهديد الرئاسي للبرلمان إما إقرار الميزانية أو سيقرها هو معتمدا على بعض نصوص الاتفاق السياسي الليبي.
كما أن المشهد الأمني والعسكري أيضا يشهد حالة فوضة واضطرابات شرقا وغربا، فقوات القيادة العامة في شرق البلاد بقيادة المشير خليفة حفتر تعاني حالة من الانتقادات لاستمرار حالة القبضة الأمنية في الشرق، كما أنها تعاني من صدامات مسلحة في منطقة الجنوب مع قوات الجيش السوداني وسط اتهامات لها بدعم قوات “حميدتي”.
كذلك الوضع العسكري والأمني في غرب ليبيا قابل للانفجار في أي وقت مع تحركات حكومة الدبيبة وقواتها للتخلص من “الميليشيات” المسلحة هناك والذي ترفضه قوات الردع التي تعتبرها الحكومة ميليشيا غير تابعة لها، ما دفع الدبيبة إلى تحشيد مجموعات مسلحة من مدينة مصراتة (مسقط رأسه) للتمركز في العاصمة ودعمه في التخلص من الميليشيات ما ينذر بحالة اقتتال وصدامات قريبة.
أضف إلى حالة الضبابية الداخلية أيضا استمرار الانقسام والتنازع في المجلس الأعلى للدولة الليبي بين “خالد المشري ومحمد تكالة” وادعاء كل منهما شرعية رئاسته للمجلس ما عطل المؤسسة الاستشارية عن أعمالها ودفع الجميع إلى تجاوزها في أي حلول أو حتى صفقات.
أيضا.. البعد الإقليمية وحالة الفوضى والحروب الموجود في منطقة الشرق الأوسط تجعل الملف الليبي يتراجع كثيرا في الاهتمام الدولي خاصة مع انشغال الولايات المتحدة الأميركية في الحرب مع إيران ومعها القوى الدولية والأوروبية التي انكفأ كل منها على حماية حدوده ومصالحه ودراسة ايا معسكر ينضم لها استعداد لحرب عالمية ثالثة اوشكت على البدء إن لم تكن بدأت.
..هذا التشريح للمشهد في داخل ليبيا ومحيطها الأوروبي والدولي يجعل مخرجات مؤتمر “برلين 3” على المحك جدا، بل قد تفشل في تحقيق أي قفزة قوية في المشهد وتفكيك الجمود المسيطر عليه خاصة أنها لم تخرج بخطة واضحة وجدول زمني محدد لحل المشكل الليبي، كما أن تهديدها بالعقوبات ليس جديدا فقد لوحت به مرارا ولم يكن يجدي نفعا لأنه لا ينفذ وأن الأطراف المحلية لم تعد تلتفت إليه.
هذا لا يعني حكمنا على مخرجات برلين بالفشل التام، لكنها تحتاج إلى روافد أخرى داعمة وميسرة لخطاها ومنها موقف إقليمي قوي تقوده كل من مصر وتركيا للضغط على حلفائهما في الداخل الليبي من أجل إحداث نقلة نوعية ومرونة في التماهي مع مخرجات المؤتمر الدولي ومنع هؤلاء الحلفاء شرقا وغربا من اتخاذ أي خطى تصعيدية (عسكرية أو سياسية) من شأنها إرباك المشهد وخلط الأوراق وإعادة البلاد إلى نقطة الصفر.
كذلك ضرورة تحقيق حالة قبول وتوافق بين الأطراف الليبية المتحكمة في المشهد لقبول هذه المخرجات وممارسة سياسة “العصا والجزرة” معها وغن لم تستجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطى حقيقية لردعها سواء بتجاوزها تماما وإبعادها عن أية مفاوضات وتوافقات وتشكيل اجسام أخرى تكون مهمتها إنجاز العملية الانتخابية أو توقيع عقوبات حقيقية وليست ورقية على هذه الأطراف وغن وصلت إلى حد الاعتقال أو إصدار مذكرات قبض وتوقيف وتجميد حساباتهم ومنعهم من السفر أو أي عقوبات ينص عليها القانون الدولي.. هنا ربما تنجح مخرجات برلين وإلا ستكون مثل أخواتها من المخرجات مصيرها أدراج المكاتب وليبقى الوطن ومواطنيه رهينة أطراف محلية ودولية وإقليمية لا يشغلها إلا مصالحها وفقط.