في كتاب الأمير، يوصي نيكولو ميكافيلي أمير فلورنسا، لورينزو دي مديتشي، قائلًا:“إياك والاعتماد على الجيوش المرتزقة؛ فإن انهزمت، كانوا أول الفارّين، وإن انتصرت بهم، صاروا عبئًا عليك يصعب التخلص منه.”

لكن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، للأسف، فشل في استيعاب هذه النصيحة الثمينة، وها هو اليوم يدفع ثمن جهله بالتاريخ وتجاهله لدروسه.

فمنذ تسلمه السلطة، رسّخ حكمه على ركيزة الاعتماد على المجموعات المسلحة والمرتزقة، وأغدق عليهم المال والسلاح، وأدار ظهره لما ارتكبوه من جرائم بحق المواطنين، من قتل وابتزاز وتعدٍّ صارخ على سلطة الدولة.

واليوم، بعدما بلغ السيل الزبى وصار هؤلاء المرتزقة ينازعونه الحكم، إذا به يعلن الحرب عليهم، ولكن بعد فوات الأوان.

لقد تأخرت كثيرًا، سيدي الرئيس، فهذه المعركة كان ينبغي أن تُعلَن في اليوم الأول من توليك الحكم، لاجتثاث جذور الفوضى وتطهير ليبيا من العصابات المسلحة.

وسؤالي هنا: لماذا وضعتَ وقراً في أذنيك عن جرائم “إنجيم” وغيره، لتفاجئك المحكمة الجنائية الدولية بتقرير عن أفعال يشمئز منها الشيطان ذاته؟

جرائم وقعت في مناطق تقع تحت سلطتك، بينما أنت وأجهزتك الأمنية كنتم في سبات عميق! أين كنت عندما اغتُصبت طفلة في الرابعة عشرة؟ أين كنت عندما قُتل سيف الككلي مع خمسة عشر مواطنًا؟ أين كنت حين قطّع “المضغوطة” ضحاياه بالمنشار؟ أين كنت عندما دفنهم “غنيوة” في حديقة الحيوان؟

لقد ذكرت لنا بنفسك هذه الجرائم، ولكنك لم تُجبنا: لماذا عجزت عن معرفتها قبل أن تعجز عن منعها؟

إن كثيرًا من أقوالك في خطابك الأخير ليست إلا اعترافًا غير مباشر بأنك، بسكوتك وتغاضيك، قد فتحت لهم الباب ووفرت لهم المناخ ليرتكبوا أفظع الجرائم.فهل يسعدك، سيدي الرئيس، أن تسبقك محكمة الجنايات الدولية لتخبرك بما يُرتكب من فظائع على أرضك، وبين مواطنيك، وأنت لا تعلم عنها شيئًا.