يرى الكاتب الصحفي محمد غميم أن اتباع الهوى هو الميل الطبيعي للنفس نحو ما تحب أو ترغب فيه، وقد يتداخل مع الحكم العقلاني والموضوعي، فقد يشعر الإنسان بأنه يتبع الحقيقة لأنه يجد راحة أو تأكيدًا لرغباته أو تأويلا لآراء دينية تدعم موقفه، بينما في الحقيقة قد يكون مدفوعًا بالهوى.
وأضاف الكاتب، لتجنب هذا الالتباس، يجب على الإنسان أن يكون متيقظًا لميوله الشخصية، وأن يسعى إلى تقييم الأمور بحيادية وأن يتسع صدره للنقد حتى ممن يظن أنهم أقل منه شأنا ولا يكابر ويستمر في العناد.
ومن الأمثلة الواضحة لاتباع الهوى ما يقوم به مفتي طرابلس الشيخ الغرياني، وبمتابعة مواقفه تجاه الأحداث السياسية نجده أقحم نفسه في كل تفاصيلها بطريقة خاطئة، فلم يترك أمراً اجتهادياً إلا وتصدى له بالتحريم أو التحليل، حتى وإن كانت أغلب هذه الأمور خارج دائرة تخصصه أو معلوماته، وهي تتعلق بالأمور الاجتهادية، وتدور بين الخطأ والصواب، أو نسبية كلا منهما، ولا تقبل إطلاق أحكام الحلال والحرام، وكان يقوم باستخدام الفتوى لتأييد رأيه السياسي في كل شاردة وواردة، وفي هذه العجالة سوف نتتبع مواقفه من الأحداث والحكومات المتعاقبة لنوضح افتقارها إلى المعايير والمبادئ، وأن الرابط والقاسم المشترك بين مواقفه المصلحة وطلب الوجاهة والمكانة والمال …إلخ.
وقال غميم: كان الشيخ داعما كغيره لفبراير وللمجلس الانتقالي، وهو موقف لا غبار عليه كعموم الليبيين، واستمر دعمه للمؤتمر الوطني بشكل مباشر بقيادة أبوسهمين نظرا لارتباطه بكتلة الوفاء التي تضم عدداً من الإسلاميين المتشددين، وأصبح هو الموجه لهذه الكتلة في كل شيء، وكان لا يحتاج قراراً أو دعماً مالياً أو معنوياً إلا وطلبه مباشرة ويلبى على الفور، ولم تكن له علاقة بحكومة زيدان الذي كان مجافياً له ويناصبه العداء.
وتابع الكاتب الصحفي، كان أقرب أكثر بعد ذلك من حكومة الحاسي والغويل وكان مساندا لهما، ثم اتخذ موقف متطرفاً ورافضاً لحكومة السراج وكل ما نتج عن اتفاق الصخيرات، ووصف من شارك فيه بالخيانة والعمالة ورماهم بكل التهم وحرض عليهم، وفي كل مرةٍ يظهر فيها يتباكى على المؤتمر الوطني وحكومة الغويل لأنه كان الآمر الناهي الذي لا يرد له طلب عندهما، على الرغم من أنها سلطات محصورة في العاصمة ولا اعتراف دولي بها، ووصف حكومة السراج كذبا بالخيانة وطعن في كل من اشتغل فيها ومعها، وذريعته في هذا أنها جاءت عن طريق المجتمع الدولي، ولم يخترها الليبيون.
وكانت علاقة دار الإفتاء متوترة مع السراج طيلة بقائه، لأن السراج رافض لتسلطها، وعلى الرغم من أن السراج رغم ضعفه لم يعرف عليه فسادا كالفساد الحاصل الآن.
ولم ينكر أحد إلا الغرياني تصدي حكومة السراج لداعش في سرت وتصدّيها لصد عدوان حفتر، ولم تشفع له عنده بسبب عداوة شخصية فقط، بل أكثر من ذلك، فبسبب هذه العداوة الشخصية تجاه السراج قام الشيخ بدعم الكانيات، وبارك حملات جمع الأموال لهم في هجموهم الأول على طرابلس، وأفتى بأنهم أصحاب حق، وعليهم المطالبة به ولو باستخدام القوة ضد حكومة الفرقاطة.
انتهت حكومة السراج وجاءت حكومة جنيف الدبيبة بنفس الطريقة عبر اتفاق دولي، وبمجرد ما تواصل معه رئيس الحكومة وأظهر توددّه للدار ولشخص المفتي وقدم بعض الفتات من الدعم، إذ بالرجل يتحول بشكل كامل داعماً للحكومة، وعلى الرغم من أنها جاءت عن طريق الرشاوي، وكل يوم يظهر فسادها الذي لم يعد خافيا على أحد في ليبيا، ولا مجال لمقارنته بغيره، ومع ذلك كل يوم يزداد تمسك المفتي بها، وتقديم الدعم والفتاوى والسكوت حتى على التطبيع مع الكيـان الصهـيوني، حيث خرج في موقف هزلي وحمّل المسؤلية لوزيرة الخارجية، أما رئيس الحكومة فمعذور عنده ولا يعلم، ناهيك عن تقلباته عندما يحرم لقاء فلان بحفتر، ويعتبر ذلك مداراة في حقه، ويعتبره خيانة وإجراماً في حق غيره، وقس على ذلك موقفه المتناقض من الإمارات ومصر والأمم المتحدة وغيرها.
وختم غميم مقاله قائلا (وأخيرا موقفه من الانقلاب على الإعلان الدستوري، وهو ما تبقّى لثورة فبراير من أمل في بناء دولة، عندما قام الرئاسي بالانقلاب على الاتفاق السياسي لإزاحة المحافظ وهو يؤيد أيضاً الانقلاب على المجلسين لنفس الغاية).
ليس في الإسلام رجال دين ولا كهنوت، أما البابوية التي توزع صكوك الغفران (الوطنية) فلا مكان لها في ديننا الحنيف.