الإنجازات الوهمية كسياسة للمسكنات خلال السنوات العشر الماضية كانت وسيلة الحكومات السابقة و المتعاقبة و الاجسام السياسية، لتمديد بقائهم في المشهد، و ذلك عبر إيهام الشعب البسيط بأن الأوضاع تمام، و الاقتصاد و الخدمات الأساسية في تحسن، بل و أفضل من ما كانت عليه قبل 2011 م .
و صراحةً هذه الإنجازت الوهمية كثيرة، لكننا اليوم سنسلط الضوء على واحدة منها، لعل أبرزها ما يعرف بعلاوة الأبناء و الزوجة، و التي تسوق لها حكومة الوحدة هذه الأيام بشكل كبير جداً، على أنها إنجاز عظيم أو Great Achievement إلى أن أصبحت حديث الساعة عبر كافة وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي .
ففي أكتوبر من العام 2013 م و في ظل حالة الاستقطاب و الصراع السياسي التي شهدته البلاد آنداك، أقر المؤتمر الوطني العام وحكومته ( حكومة زيدان ) قانونًا لصرف مبلغ 100 دينار لكل ابن لا يتجاوز عمره 18 سنة و 100 دينار لكل زوجة أو فتاة لا تشتغل .
و هذا القانون أُقر في الواقع لاعتبارات سياسية بحتة لا اقتصادية، فالدولار كان حينها ب 1.40 دينار و القدرة الشرائية والمرتبات جيدة فمرتب 600 دينار يعادل قرابة 430 دولار و الأسعار ملائمة و مستقرة إلى حد كبير .
كما أن النفط كان متوقفا إبان إقرار العلاوة ويشتغل بأقل من نصف طاقته الإنتاجية، و لا توجد مصادر تمويل مستدامة لتمويل العلاوة التي تقدر قيمتها ب 4 مليار دينار سنوياً، مما اضطر معه المؤتمر الوطني لتمويلها من حساب الأموال المجنبة، التي كان يفترض تخصيصها و استخدامها في تنويع مصادر دخل البلاد، و ضمان مستقبل أجيالها القادمة.
و هذا بالطبع يكشف الأهداف و الأجندة و النوايا السيئة من القرار، فالقرار لم يستند على أسس و معايير اقتصادية، حتى يكون في خدمة المواطنين، و هذا ما حدث بالفعل، بل كان لخدمة المؤتمر الوطني و حكومته في البقاء أكثر من خلال صرف نظر المواطنين عن استمرار و جودهم في المشهد .
و مع ذلك فشلت كل الحكومات المتعاقبة في صرف قيمة العلاوة على مدى سبع سنوات، لعدم توفر الموارد المالية اللازمة، و لم يصرف منها سوى ست أشهر فقط في العام 2014 م و يقدر إجمالي قيمة العلاوة المستحقة و المتراكمة اليوم إلى أكثر من 30 مليار دينار.
لكن مع مجيء حكومة الوحدة و بالتزامن مع تخفيض سعر الدينار رسمياً إلى ما نسبته ‎%‎400 تقريباً، أي عند سعر 4.48 لكل دولار، باشرت هذه الحكومة في صرف قيمة العلاوة بأثر فوري أي ابتداء من العام 2021 م، دون الخوض في القيمة المستحقة و المتراكمة، مدعية أنها حققت إنجازات كبيرة بل وزير اقتصادها أعلن قبل يومين إنه سيتم صرف قيمة ثلاث أشهر بهدف المساعدة في شراء أضاحي العيد، و ذلك في استخفاف واضح بعقول المواطنين البسطاء ، فقيمة العلاوة اليوم لا تزيد قيمتها عن 21 دولار، بعد أن كانت تعادل 68 دولار في 2013 م وأن نسبة كبيرة من أبناء العائلات الليبية فوق الـ 18 سنة، و أن أسعار الأضاحي ارتفعت بشكل كبير و لا تتناسب إطلاقاً مع قيمة العلاوة، ناهيك عن ارتفاع أسعار الغذاء و الدواء و غيرها من سلع .
لا و الكارثة الأكبر أن المواطنين البسطاء هم من موّلوا قيمة العلاوة على حساب تآكل القدرة الشرائية لمرتباتهم و مدخراتهم، من خلال تخفيض سعر الصرف دون أن يعلموا ذلك، فإيرادات نفطية بقيمة 20 مليار دولار في 2013 م تعادل 28 مليار دينار أما اليوم فقيمة هذه الإيرادات تعادل 90 مليار دينار.
و مرتب بقيمة 600 دينار و الذي كان يعادل و كما أسلفنا 428 دولار في 2013 م اليوم يعادل 124 دولار فقط .
و لم تمولها من خلال إستراتيجيات و سياسات مالية و اقتصادية، تهدف لرفع و تنمية الإيرادات و الترشيد في الإنفاق العام .
واليوم وللأسف، مواطنون كثر انشغلوا فقط بالحديث عن قيمة ومواعيد صرف العلاوة ومتابعة أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتناسوا حالة الفوضى والانقسام والوضع الاقتصادي والخدماتي المتدهور وما تحمله لهم قادم الأيام من آثار وتداعيات كارثية يبدو اليوم بالفعل بدأوا في تلمس نتائجها.

( الجزء الأول )