يترقب هذه الأيام معظم المواطنين ومع اعتماد قانون الميزانية للعام الحالي 2022 م الإجراء أو الخيار الذي سيتخذه المصرف المركزي. هل سيلتزم بتنفيذ قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب؟

أم أنه سيلتزم بتنفيذ ترتيبات مالية يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية؟

أم سيقتصر فقط على تنفيذ الصرف بموجب 1/12 من نفقات العام المالي 2021، في الأبواب المتاحة للصرف “الرواتب والدعم فقط”؟

الإجراءات الواجبة على المصرف المركزي

قانوناً وكما هو معروف وبموجب قانون المصارف وتعديلاته لسنة 2005 م يخضع المركزي للإشراف والمتابعة من قبل السلطة التشريعية، وتتمثل حالياً في “مجلس النواب”، وهذه السلطة هي من تعين محافظ المركزي ونائبه، وأعضاء مجلس إدارته، وهي أيضاً من تعفيهم وتقبل استقالاتهم.

وفق القوانين المالية والتشريعات الليبية النافذة فإن المركزي قانوناً ملزم بتنفيذ القوانين والقرارت ذات العلاقة الصادرة عن هذه السلطة “مجلس النواب” بغض النظر عن تحفظاتنا عنه وعن أداءه السيء طيلة السنوات الماضية حيث يعتبره الكثيرون سبب مباشر فيما أل إليه حال البلاد اليوم.

مهمة المركزي تنحصر وفق القانون المذكور أعلاه في تنفيذ أوامر أو أذونات الصرف التي تصدرها الحكومة “وزارة المالية” وذلك خصماً من حساباتها، فالحكومة هي من تقرر الصرف والمركزي منفذ له فقط، كما إن المركزي في بعض الأحيان يمول نفقات الحكومة في حال عدم كفاية أرصدة حساباتها أو انكشافها وذلك بمنحها سلفة مالية لتمويل أي عجز طارئ موسمي وذلك بما يعادل ‎%‎20 من إجمالي الإيرادات العامة على أن تسدد الحكومة هذه السلفة قبل نهاية السنة المالية ويحظر تكرار منحها في حال تخلفها عن سدادها. هذه الألية متبعة ومتعارف عليها منذ عقود ليس في ليبيا فحسب بل في كل دول العالم تقريباً.

ولكن مع الانقسام السياسي المقيت الذي ضرب البلاد منذ أغسطس من العام 2014، وما ترتب عنه من ازدواجية لمؤسسات الدولة أصبحت مسألة تنفيذ المركزي للميزانية في ظل حكومتين محل تساؤل وجدل قانوني.

المصرف المركزي، وموقعه بين الأطراف المختلفة

هناك من يرى أن المركزي خالف القانون وهناك من يرى عكس ذلك خاصةً بعد غياب قوانين الميزانية، فآخر قانون ميزانية صدر في 23 يونيو 2014، أي قبل انتخابات مجلس النواب. ولكن مع كل الجدل حول مدى قانونية إجراءات تنفيذ الصرف من قبل المركزي خلال السنوات الثماني الماضية فإنه لم يخرج عن الآليات المتبعة والمتعارف عليها.

انقسام المشرعين، واتفاق الصخيرات

في 2014 م الذي انقسمت فيه البلاد التزم المركزي بتنفيذ قانون الميزانية الصادر عن المؤتمر الوطني العام . و في نوفمبر 2014 م، الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا أصدرت حكماً بإلغاء الفقرة الحادي عشر من المادة (30) من الإعلان الدستوري المؤقت، أي إلغاء مقترحات لجنة فبراير التي أنبثق عنها مجلس النواب ما يعني بطلانه و عودة المؤتمر الوطني للمشهد كطرف في الصراع و في النزاع على الشرعية.

في مايو 2015 م المؤتمر الوطني يعتمد مشروع قانون الميزانية تحت رقم (9) لسنة 2015 م، المقدم من قبل حكومة الإنقاذ الوطني و لا ينفذ المركزي الميزانية المعتمدة من قبل مجلس النواب للحكومة المؤقتة في شرق البلاد. خلال العام 2015 م، رعت الأمم المتحدة جولات حوار بين أطراف الصراع “مجلس النواب و المؤتمر الوطني”، في مدينة الصخيرات المغربية، توج في ديسمبر من العام نفسه بتوقيع اتفاق سلام و تقاسم السلطة بينهما مع المجلس الرئاسي، و بموجب هذا الاتفاق، “اتفاق الصخيرات”، أصبحت كل الأطراف تستمد منه شرعيتها، وليس من الإعلان الدستوري المؤقت الذي أتت بموجبه و ذلك عبر انتخابات يوليو 2012 م و انتخابات يونيو 2014 م أي بمعني هذا الاتفاق هو الإطار المنظم لعمل المؤسسات خلال المرحلة الانتقالية على أن يتوج باعتماد دستور دائم للبلاد و انتخابات عامة خلال سنة من توقيعه قابل للتجديد و لمرة واحدة فقط . مع ملاحظة أنه بموجب هذا الاتفاق تعتبر حكومة الإنقاذ و الحكومة المؤقتة غير شرعيتين .

خلال العام 2016 رفض مجلس النواب و لمرتين منح الثقة للحكومة المقدمة من المجلس الرئاسي و خلال هذا العام نفذ المركزي قرار اامؤتمر الوطني العام بشأن الإذن بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة في حدود 1/12 من اعتمادات السنة المالية 2015 م .

في أعوام 2017 ، 2018 ، 2019 ، 2020 م و نظراً لانقسام مجلس النواب و تعذر إقرار قانون الميزانية تم اعتماد ما يسمى بالترتيبات مالية وفقاً لأحكام المادة ( 9) فقرة (5) من اتفاق الصخيرات و قام المركزي بتنفيذ قيمة تلك الترتيبات على كافة الأبواب و يرفض دائماً تنفيذ الصرف في ظل عدم وجود هذه الترتيبات أو ألية 1/12 من ترتيبات السنة السابقة .

في أبريل من العام 2021 م و مع التئام مجلس النواب تقدمت حكومة الوحدة الوطنية بمشروع قانون للميزانية للعام 2021 لكن مجلس النواب رفض اعتماد المشروع .

و بناء عليه تم الصرف بموجب 1/12 من الميزانية المقترحة التي تقدمت بها حكومة الوحدة و ذلك استناداً إلى المادة (24) من مقترحات لجنة فبراير التي ضمنت للإعلان الدستوري المؤقت بموجب التعديل السابع في العام 2014 م .

واستناداً على ذلك نفذ المركزي الصرف على كافة الأبواب. 8- خلال الفترة من 1/1 حتى 31/5:2022 م أي العام الحالي أشار المركزي في بيانه مؤخراً إن الصرف يتم بموجب 1/12 من نفقات السنة المالية 2021 م على الأبواب المتاحة للصرف و ذلك في ظل عدم اعتماد قانون الميزانية الذي تم اعتماده أمس فقط .

المركزي ملزم بتنفيذ أمر البرلمان كما إن الصرف على الأبواب المتاحة يشير فيه ضمنياً إلى مسألة تجميد الإيرادات النفطية و اقتصار الصرف منها على المرتبات و الدعم فقط و ذلك بناءً على كتاب من السيد رئيس مجلس النواب . عليه وبناءً على ما تقدم نخلص إلى إن المركزي ملتزم و إلى حداً ما بتنفيذ الصرف وفق للقانون و يولي أهمية للاتفاق السياسي الذي تنتهي أجاله الأسبوع القادم و الذي يعتبر بمثابة إطار منظم لعمل المرحلة الانتقالية. ومن ثمة فإن الخيارات المتاحة أمام المركزي قليلة جداً وهي.

تنفيذه قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب و هذا إجراء متعارف عليه و ملزم به بموجب القانون و لا يحمله أي مسؤولية .

تنفيذه لترتيبات مالية طارئة يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية تمول في شكل سلف مالية و هذا يعني و على الجانب الأخر قيام حكومة الاستقرار بترتيب التزامات مالية و مفاقمتها للديون و تحميل خزانة الدولة بأعباء إضافية يتحمل المركزي مسؤوليتها و تضعه تحت طائلة القانون و المساءلة ، ناهيك عن ما ستخلفه من تداعيات سيئة و كارثية على الاقتصاد الوطني المنهك أصلاً .

استمرار المركزي في الصرف بموجب 1/12 على بابي المرتبات و الدعم مع تجميد الايرادات النفطية و ذلك تجنباً للإحراج و الدخول مباشرةً في الصراعات السياسية و هذا ما يبدو غير ممكن في ظل اعتماد قانون الميزانية . لننتظر و نرى .

المصدر: نورالدين رمضان حبارات متابع ومهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي