جبل الطور
اختلف العلماء في جبل الطور وفي تحديد مكانه، حيث ذهب كلٌّ من ابن عباس -رضي الله عنهما- وابن العالية كما نقل القرطبي والبغوي والألوسي وغيرهم من المفسرين؛ أنّ جبل الطور هو الجبل الذي التقى به الله تعالى بنبيه موسى عليه السّلام، وقالوا: إنّه ما زال موجوداً ولم يختفِ، وذهبت طائفةٌ أخرى من العلماء إلى القول بأنّ اللقاء بين الله وموسى كان عند جبل الطور، والطور اسمٌ يطلق على كلّ جبلٍ، وليس على جبلٍ محدّدٍ، وقال آخرون: إنّه اسمٌ يطلق على كلّ جبل ينبت فيه نباتٌ ما، وقال بعض العلماء: إنّ كلمة الطور سريانية الأصل، وتطلق على كلّ جبلٍ، ونقل كلٌّ من البغوي والخازن وابن الجوزي روايةً أخرى عن ابن عباس وعن أنس بن مالك تفيد أنّ الجبل الذي كلّم الله تعالى عنده موسى -عليه السّلام- اسمه زبير وليس جبل الطور، ولكن المؤكّد فيما يخصّ الجبل أنّه دُكّ دكاً؛ أي أنّه أصبح مستوياً مع سطح الأرض، كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)،[٣] وبناءً على ذلك؛ فإنّ كون الجبل أصبح دكاً -كما جاء في الآية الكريمة- فلا خلاف في ذلك، ولكن الخلاف فيما إن كان الجبل ما يزال قائماً، فإن كان الجبل هو ذات جبل الطور أو ما يسمّى بطور سيناء؛ فيحتمل أنّ الله تعالى أقام الجبل بعد أن جعله دكاً، حيث إنّ الله تعالى رفعه على بني إسرائيل، ثم أرجعه إلى ذات المكان، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)،[٤] ويحتمل أن يكون القول ببقاء جبل الطور قولاً خاطئاً، حيث أورد بعض الباحثين أنّ جبل الطور دُكّ دكاً، ثمّ رفعه الله تعالى فجعله كالظلّة على بني إسرائيل بين السماء والأرض، ثمّ استقرّ في مكانه، والواجب على المسلم أن يؤمن بقلبه بحصول اللقاء بين الله تعالى ونبيه موسى -عليه السّلام- وما أوردته النصوص الشرعيّة حول هذا الموقف.
تكليم الله لموسى عليه السّلام
عاش موسى -عليه السّلام- يتيماً في بيت فرعون مصر، ثمّ هاجر من مصر؛ خوفاً على نفسه، ثمّ بعثه الله تعالى رسولاً، ولكن لم يستجيب لدعوته إلا قلّةٌ، وأراد فرعون أن يقتله ويقتل من آمن به وبدعوته، ولكنّ الله تعالى أنجاه من فرعون ومن القتل، وفي المقابل أهلك فرعون ومن معه، ثمّ أكمل موسى -عليه السّلام- طريقه مع من آمن برسالته، وفي طريقهم مروا على قومٍ يعبدون الأصنام، فطلبوا من موسى ومن معه أن يعبدوا أصنامهم، فأنكر عليهم فعلهم، وذكّر موسى من معه بأفضال الله تعالى عليهم؛ حيث إنّه ميّزهم عن غيرهم من الناس والأقوام، وأنجاهم من ظلم فرعون، فتوحيد الله تعالى له أهميّةٌ عظيمةٌ، ويجب أن يداوم الداعية على تذكير العباد به، فالعباد سرعان ما يتزعزع إيمانهم بربهم، وقد يؤدي الحال بهم إلى الوصول إلى الشرك بالله تعالى، فإنّ قوم موسى رغم أنّهم آمنوا بالله تعالى ووحّدوه، وأنجاهم من الغرق، إلا أنّهم سرعان ما اغترّوا بمظاهر الشرك بالله عزّ وجلّ، وعبادة الأصنام، وذلك ما وقعت به أيضاً أمّة النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم، وذلك يدلّ على أنّ الأنبياء مرّوا بالظروف ذاتها خلال فترة دعوتهم إلى توحيد الله تعالى، كما يدلّ على أنّ كلّ أمّةٍ تغترّ بالمظاهر ذاتها، فتنحرف عن المنهج القويم بنفس انحراف غيرها من الأمم، فموسى -عليه السّلام- هاجر من مصر هجرتين، كانت الأولى إلى أرض مدين، أمّا الثانية فكانت هجرته من فرعون وقومه، وخلال هجرته الأولى كلّمه الله تعالى عند جبل الطور بعد مرور أربعين ليلةً من الهجرة، حيث قال الله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ)،[٦] وبذلك كسب موسى -عليه السّلام- كرامةً من الله تعالى بتكليمه له، وكان هارون -عليه السّلام- السند والعون لموسى خلال فترة دعوته، حيث إنّ الإنابة أمرٌ هامٌّ، وخاصةً في حال غياب الأصل، فالعباد يحتاجون إلى من يدبّر أمورهم ويرعى شؤونهم، ويحكم بينهم بشريعة الله تعالى، وتحقيق العدل ونشره بينهم، كما أنّ موسى -عليه السّلام- أوصى أخاه هارون بتحقيق الصلاح في ولايته على الناس، مع الابتعاد عن الفساد والظلم، حيث قال الله تعالى: (وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ).