“الأزمة الليبية تحتاج سياسة جادة ومبعوثًا ذا ثِقَل سياسي لا صفقات عابرة يديرها رجل أعمال بوزن عائلي”

بالأمس 18 سبتمبر 2025 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا مطوّلًا حول الدور الذي يؤديه مسعد بولس في الملف الليبي، تطرّقت فيه إلى اجتماعاته في الدوحة وطرابلس، وما طُرح خلالها من مقترحات بشأن الأصول الليبية المجمّدة وإمكانية توجيهها لعقود مع شركات أمريكية. كما أبرز التقرير أن نفوذ بولس مستمد بالأساس من صلة قرابته بعائلة الرئيس ترامب، أكثر مما يستند إلى منصب رسمي أو خبرة دبلوماسية، وهو ما أثار تساؤلات حول تداخل المصالح الخاصة مع الشأن العام.

إن ليبيا اليوم ليست في حاجة إلى وسيط ذو خلفية تجارية وعائلية، وزنه يأتي من الرابط العائلي لا من ثقل المنصب، ليعقد تفاهمات ضيقة باسمها. ما تحتاجه ليبيا هو مبعوث سياسي رفيع بوزن رسمي حقيقي، يحمل تفويضًا واضحًا من الإدارة الأمريكية، وقادر على التعاطي مع الملف الليبي بجدية وشمولية، بدلًا من التعامل بمنطق رجل أعمال يبحث عن صفقات آنية.

القضية الليبية أعقد وأعمق من أن تُختزل في عقود نفطية أو تفاوض على أموال مجمّدة. الأولوية الحقيقية هي حلّ الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات، وتهيئة البلاد لانتخابات طال انتظارها. وحده هذا المسار كفيل بخلق بيئة مستقرة يمكن أن تجذب مليارات الدولارات من الاستثمارات، وتفتح أمام ليبيا والولايات المتحدة معًا آفاقًا استراتيجية أوسع بكثير من أي صفقة محدودة.

إن استقرار ليبيا سيعود بعوائد استراتيجية مستدامة على الشركاء الدوليين، بينما الترتيبات الفردية لا تفيد إلا دوائر ضيقة وتزيد المشهد هشاشة. فاستقرار دولة بحجم وموقع ليبيا يعني ضمان أمن الطاقة وتدفق النفط والغاز بأمان، ويعني كذلك فتح آفاق اقتصادية هائلة وشريكًا استراتيجيًا موثوقًا على ضفاف المتوسط.

الأصول الليبية المجمّدة ملك للشعب وحده، ولا يجوز أن تُختزل إلى سلعة للمساومة بين مبعوثٍ وزنه يستمدّه من صلة قرابة عائلية لا من ثقل منصب رسمي، وبين حكومةٍ معترف بها دوليًا لكنها شارفت على الرحيل وتسعى عبر صفقات عابرة لإطالة بقائها. إن أي بحث في الإفراج عن هذه الأموال لا بد أن يمر عبر إصلاحات مؤسساتية جادة وآليات شفافة، تضمن أن تُوجَّه هذه الموارد إلى مشاريع تنموية حقيقية يستفيد منها جميع الليبيين، لا إلى جيوب دوائر ضيقة.

وعليه، فإن على الإدارة الأمريكية، ورئيسها تحديدًا، أن يدرك أن تكليف رجل بخلفية تجارية – عائلية بملف شديد الحساسية مثل ليبيا يثير الشبهات ويضعف مصداقية واشنطن. الجدية الأمريكية لن تتجسد إلا عبر إرسال مبعوث سياسي رفيع يعكس التزامًا واضحًا بدعم الحل السياسي الشامل، لا عبر مقاربات ضيقة تجعل ليبيا مجرد ساحة صفقات عابرة.

إن الاستثمار الحقيقي الذي سيعود بالنفع على الجميع هو الاستثمار في استقرار ليبيا، لا في صفقات فردية عابرة. فحلّ الأزمة الليبية جذريًا يعني أن تربح ليبيا استقرارها وسيادتها، وأن تنعم المنطقة بأمنها، وأن يحصد الشركاء الاستراتيجيون أمن الطاقة وفرص الاقتصاد، وأن يكسب العالم شريكًا موثوقًا ومستقرًا في جنوب المتوسط يخدم مصالحه ومصالح الجميع.