منذ وصول عبد الحميد الدبيبة إلى السلطة في ليبيا رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية، شهدت البلاد تراجعًا ملحوظًا في دور الأجهزة الرقابية عامة وديوان المحاسبة خاصة.

كانت هذه الأجهزة تهدف إلى مراقبة الفساد وتطبيق القوانين المالية والإدارية، ولكن يبدو أن هذا الدور أصبح ضعيفًا أو شبه معدوم.

في هذا المقال، سأستعرض الأسباب والتداعيات المرتبطة بهذا التراجع، مع التركيز على تأخر ديوان المحاسبة في إصدار تقريره السنوي لهذا العام، وعدم استغراب الليبيين لهذا التأخير.

بالإضافة إلى ذلك، سنناقش تصنيف ليبيا ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم وتأثير ذلك على الثقة العامة في المؤسسات الرقابية.

🔸🔸 التدخل السياسي وفقدان الاستقلالية

أحد الأسباب الرئيسة لتراجع دور الأجهزة الرقابية يعود إلى التدخل السياسي المباشر؛ فمثلاً ينظر كثيرون اليوم إلى رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، على أنه تحت تأثير الدبيبة، وفي بعض المواقف يظهر كأنه موظف في ديوان رئاسة الحكومة، مما أثار الشكوك حول نزاهته واستقلالية الجهاز الرقابي.

فالأجهزة الرقابية مؤسسات يجب أن تتمتع بالاستقلالية التامة لضمان قدرتها على العمل من دون ضغوط أو تأثيرات خارجية، لكن يبدو أن هذه الاستقلالية قد تآكلت بشكل كبير.

هذه التصورات العامة أدت إلى فقدان الثقة لدى الليبيين في التقارير الرقابية وبالأخص ما يصدر عن ديوان المحاسبة.

كثير من المواطنين الليبيين يرون أن هذه التقارير لم تعد تعكس الواقع بشكل موضوعي، بل ربما تكون مسيّسة أو متلاعب بها لتلبية مصالح معينة.

وهذا الفقدان للثقة يعكس مدى تدهور مصداقية المؤسسات الرقابية في ليبيا.

🔸🔸 تأخر تقرير ديوان المحاسبة السنوي

🔹 دلالات التأخر:
من أبرز الدلائل على تراجع دور الأجهزة الرقابية هو تأخر إصدار تقاريرها السنوية؛ فديوان المحاسبة حتى الآن لم يصدر تقريره السنوي كعادته منذ 3 سنوات، لكن تأخره لم يثر الدهشة أو الاستغراب بين الليبيين؛ فهذا التأخر يعكس مدى الفوضى وعدم الكفاءة التي تعاني منها الأجهزة الرقابية.

🔹 عدم الاستغراب من التأخر:
عدم استغراب الليبيين من تأخر التقرير السنوي يدل على مستوى الإحباط واللامبالاة الذي وصلوا إليه تجاه الأجهزة الرقابية؛ المواطنون لم يعودوا يتوقعون الكثير من هذه الأجهزة، بل يعتبرون أن الفساد والفوضى أصبحت هي القاعدة وليس الاستثناء، هذا الوضع يبرز الحاجة الماسة إلى إصلاحات جذرية تضمن استقلالية وفعالية الأجهزة الرقابية.

🔸🔸 الفوضى السياسية والأمنية

🔹 تأثير الفوضى على الأجهزة الرقابية:
تعتبر الفوضى السياسية والأمنية المستمرة في ليبيا من العوامل الأساسية التي تعيق عمل الأجهزة الرقابية.
منذ ثورة 17 فبراير، تعاني البلاد من حالة من الانقسام والفوضى، هذا الوضع الأمني والسياسي المضطرب يجعل من الصعب على الأجهزة الرقابية ممارسة دورها بشكل مستقل وفعّال.

🔹 ضعف البنية التحتية القانونية:
إضافة إلى الفوضى، تعاني ليبيا من ضعف في البنية التحتية القانونية التي تُعنى بمكافحة الفساد وتطبيق القوانين، تحتاج البلاد إلى إطار قانوني قوي يدعم عمل الأجهزة الرقابية ويوفر لها الحماية والاستقلالية اللازمة، ومن دون هذا الإطار القانوني، ستظل جهود مكافحة الفساد غير مجدية.

🔸🔸 تصنيف ليبيا ضمن الدول الأكثر فسادًا

🔹ترتيب ليبيا:
تأتي ليبيا في تصنيف الدول الأكثر فسادًا على مستوى العالم، ووفقًا لمؤشرات الشفافية الدولية؛ هذا التصنيف يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات رقابية قوية وفعّالة.

🔹 تأثير التصنيف على الثقة العامة:
وجود ليبيا في هذا التصنيف المتدني يزيد من فقدان الثقة العامة في المؤسسات الرقابية والحكومية بشكل عام، المواطنون يعتبرون أن الفساد مستشرٍ في كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية؛ مما يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم في مجال مكافحة الفساد دون تغييرات جذرية وإصلاحات هيكلية.

🔸🔸 الحاجة إلى إصلاحات جذرية

🔹 تعزيز الاستقلالية:
يجب العمل على ضمان استقلالية الأجهزة الرقابية عن التأثيرات السياسية، من خلال وضع قوانين تحمي رؤساء هذه الأجهزة وتمنع التدخل السياسي في عملهم، استقلالية الأجهزة الرقابية هي الخطوة الأولى نحو بناء ثقة الجمهور وضمان الشفافية والمساءلة.

🔹 إصلاح البنية التحتية القانونية:
تحتاج ليبيا إلى بناء إطار قانوني قوي يدعم مكافحة الفساد ويوفر الحماية القانونية للأجهزة الرقابية، يجب أن تشمل هذه الإصلاحات تحديث القوانين المتعلقة بالفساد وتفعيل القوانين القائمة التي تضمن المساءلة والشفافية.

🔹تعزيز الشفافية والمساءلة:
يجب تعزيز الشفافية في عمل الأجهزة الرقابية من خلال نشر تقارير دورية وتوضيح الخطوات المتخذة لمكافحة الفساد، كما يجب تمكين المجتمع المدني ووسائل الإعلام من مراقبة أداء الأجهزة الرقابية والإبلاغ عن أي مخالفات أو فساد.

🔹دعم دولي فعّال:
تحتاج ليبيا إلى دعم دولي مستمر لتعزيز القدرات المؤسساتية ومساعدة الأجهزة الرقابية في أداء دورها بفعالية، يمكن للدعم الدولي أن يأتي في شكل مساعدات تقنية وتدريب وتبادل خبرات مع دول أخرى نجحت في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات رقابية قوية.

الخلاصة..
في الختام، يمكن القول إن تراجع دور الأجهزة الرقابية في ليبيا بعد وصول الدبيبة للسلطة هو نتيجة لمزيج من التدخل السياسي، وفقدان الثقة العامة، والفوضى العامة في البلاد، هذا الوضع يستدعي إعادة النظر في آليات الرقابة وتفعيل دور المؤسسات الرقابية لضمان الشفافية ومكافحة الفساد المستشري في هياكل الدولة بشكل عام.