بقلم| علاء فاروق – كاتب ومتخصص بالشأن المغاربي
لازال المشهد السياسي في ليبيا في حالة سبات سياسي وأمني ودولي وحتى الخطى التي تتخذ قدما للدفع نحو انتخابات جديدة وحكومة موحدة ومؤسسات منتخبة وموحدة هي خطوات ضعيفة تقابلها عشرات العراقيل المحلية والإقليمية والدولية لتشتت الملف الليبي وتحوله إلى روقة ابتزاز دولي ومحلي.
وفي خطوة لتحريك هذا السبات وجعل المشهد أكثر تحركا وسخونة وإيجابية.. طرحت المبعوثة الأممية لدى ليبيا، هانا تيتيه خارطة طريق جديدة في الـ 21 من أغسطس الماضي خلال إحاطتها الشهرية أمام مجلس الأمن الدولي.
ومنذ اللحظة الأولى افتقدت الخارطة إلى أهم عنصر يمكنها النجاح وتحقيق إنجازات من خلاله وهو غياب الجدول الزمني المحدد والتوقيات لكل محور مطروح في الخارطة، واكتفت بمدة عامة من 12 إلى 18 شهرا، ما يسمح للأطراف المحلية والدولية أيضا للمراوغة والمناكفة.
خطوات تفتقد لتوقيتات
وتلخصت الخارطة الأممية الجديدة في: تنفيذ إطار انتخابي سليم فنيا ويمكن تطبيقه سياسيا يكون هدفه إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وتوحيد المؤسسات الليبية المنقسمة عبر تشكيل حكومة جديدة موحدة، وأخيرا إجراء حوار مهيكل يتيح المشاركة الواسعة لكل فئات المجتمع الليبي للوصول إلى بيئة مواتية للانتخابات.
وحول آلية التنفيذ ذكرت البعثة أن خارطتها سيتم تنفيذها تدريجيا لكن ستكون حزمة واحدة (دون ذكر المقصود بحزمة واحدة) والتركيز على إجراء عملية متسلسلة ذات مراحل رئيسية لتُسهل كل خطوة تنفيذ خريطة الطريق بنجاح من أجل تنظيم الانتخابات عبر انتخاب مجلس إدارة جديد للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات وكذلك تعديل الأطر القانونية والدستورية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وبخصوص تشكيل حكومة موحدة وتوقيتها.. ذكرت الخارطة أنه بعد هاتين الخطوتين اللتين يمكن الانتهاء منهما خلال الشهرين المقبلين على أقصى تقدير، ينبغي أن يكون هناك اتفاق على حكومة موحدة جديدة، قادرة على تهيئة بيئة مواتية لإجراء انتخابات.
ولم تنس المبعوثة الأممية خلال إحاطتها التي شملت الخارطة أن تلوح بجرعة تهديد للأطراف المتعنتة بقولها أن الحوار المهيكل الذي ستنظمه سيخرج بتوصيات لصياغة تغييرات سياسية فورية في عدة قطاعات أمنية واقتصادية واجتماعية، وخوفا من أي عرقلة وتعنت سيتم دمج ضمانات في خارطة الطريق، بحيث يُمكن البحث عن بدائل في حال عملت الأطراف على تأخير إحراز تقدم”.
والملاحظ في مصطلحات البعثة الأممية، كعادتها، أنها تحمل أكثر من معنى وأنها دائما ما تربط أي إنجاز بتوافر الإرادة السياسية لليبيين، ولا نعرف هل البعثة لازالت تنتهج سياسة الترضية لكل الأطراف أم تحاول إبعاد أي إخفاق لخططها وتلقي باللوم على الأطراف المحلية المتعنتة.
ترحيب يشبه التحفظ
وفور الإعلان عن الخارطة الأممية الجديدة.. لوحظ حالة من الترحيب الدولي الواسعة لهذه الخارطة ودعمها وتقديم الخطومات للمساهمة في تنفيذها وموصفها بالفرصة الذهبية لليبيا وعلى الأطراف المحلية انتهازها وتوظيفها لإنقاذ بلادهم.
لكن قابل هذا الترحيب الدولي الحار.. حالة من الصمت المؤقت للمؤسسات الليبية المنوط بها تنفيذ جزء كبير من هذه الخارطة، على رأسهم: مجلسي النواب والدولة .. الأول تأخر في التعليق بحجة أنه يدرس الخارطة، والثاني كان منشغلا بحالة الانقسام في رئاسته بين المشري وتكالة.
ومع الضغط والعين الحمراء الدولية والأممية.. رحبت، على خجل، أغلب المؤسسات الليبية شرقا وغربا بالخارطة الأممية الجديدة، لكن الأزمة هنا أن كل طرف ليبي فسربنود الخارطة حسب ايدلوجيته ومشروعه الخاص، فكل حكومة اعتبرت الخارطة دعما لها وشرعنة لوجودها، رغم أن الخارطة تحدثت عن حكومة موحدة.
وبعيدا عن التفسيرات الشخصية لبنود الخارطة الأممية.. لوحظ حالة من التراخي والتباطؤ من قبل البعثة الأممية نفسها في المسارعة لتنفيذ بنود خطتها السياسية واكتفت فقط بمجموعة من الحوارات مع منظمات وشباب وساسة وأحزاب لشرح واف عن الخارطة، لكنها تناست أن كل من التقتهم لا يشكلون اي ثقل أو رأي عام في الشارع الليبي وأن المتنفذين في المشهد لازالوا بعيدون عن هذه اللقاءات.
وشهدت العلاقة حالة من الصدام وبرود التواصل بين البعثة ومجلسي النواب والدولة (بشقيه حينئذ المشري وتكالة)، وكذلك مع قائد القيادة العامة بشرق ليبيا، خليفة حفتر وحكومتي الدبيبة وحماد، وكأن المبعوثة الأممية وفريقها تجنبوا تماما أي لقاء مع كل هؤلاء على أساس أنه يمكنها تجاوزهم.
لكن مع بدء التنفيذ المتباطيء لخطى الخارطة اصطدمت البعثة وفريها بالواقع الليبي المتشابك والذي يجب أن تمر كل خطواتها عبر شخصيات بعينها لازالت تسيطر على المشهد.. البرلمان ورئيسه، عقيلة صالح والذي يملك خطوة تعديل القوانين الانتخابية وتغيير مجلس إدارة مفوضية الانتخابات بالتشاور مع مجلس الدولة، وأن أي إصلاحات أو حوارات عسكرية يجب أن تمر عبر حفتر شرقا والمجموعات المسلحة المتفرقة غربا.
وهنا عادت البعثة إلى قواعدها وبدأت تجبر على التواصل مع كل من لمحت في البداية أنها يمكنها تجاوزهم.. فالتقت برؤساء جميع من سبق ذكرهم، لكن الخطيئة الأممية هنا تجسدت في انتهاج البعثة لاستراتيجية الترضية لكل طرف وكأنها تعمل على تحييدهم لا إجبارهم على القبول بحلول حقيقية تدفع نحو تسوية سياسية وانتخابات، رغم أن البعثة تتأكد أن جميع من في المشهد فقدوا وتجاتوزا مددهم القانونية وأن وجودهم هو أمر واقع وهي السياسة المسيطرة على المشهد الليبي.. فالحكومات أمر واقع.. ومجلسي النواب والدولة أمر واقع .. حفتر وقواته أمر واقع.. ميليشيات الغب الليبي أمر واقع.. وكله واقع مرير.
وعليه
فإن أحد أهم أسباب ضعف وتباطؤ الخطوات الأممية لتنفيذ الخارطة الجديدة هو الاصطدام بواقع مرير ومشروعات قبلية وشخصية يستحيل تحريكها وتفكيكها لتشعبها وتكوين شبكة حلفاء دوليين وإقليميين تجعل التخلص منهم أمرا صعبا.
أيضا غياب الجدول الزمني المحدد والواضح لبنود هذه الخارطة هو أحد أبرز السلبيات التي تعوق البعثة في التحرك بقوة وسرعة لإنجاز ما طرحته، فقد مر اكثر من شهر على الخارطة ولم ينجز من بنودها شيء، رغم أن هناك مدة شهرين لإنجاز القوانين الانتخابية وتغيير مفوضية الانتخابات للانتقال إلى الخطوة الأخرى وهي تشكيل حكومة موحدة.. ما يعني أن مشروع الحكومة الموحدة سيؤجل أيضا شهورا ما يسمح لكل حكومة إعادة ترتيب أوراقها للتمسك أكثر بالمنصب.
كذلك فشل البعثة في استغلال حالة الزخم الدولي الواسعة لدعم خارطة الطريق جعل الخطى باهتة وضعيفة، والانتقال إلى مرحلة متقدمة أمرا صعبا لدرجة أن كثيرين تناسوا أصلا محاور الخارطة وخفت الضوء عنها جدا.
تعنت الأطراف المحلية وانتهاج سياسة المناكفة والمراوغة والتلاعب بالتصريحات أحد أسباب عرقلة البعثة في التعاطي بقوة وسرعة مع بنود الخارطة الجديدة، وهنا يجب عليها ممارسة مزيد من الضغوط والتهديدات والعقوبات ضد كل طرف يمارس معها المراوغة والتنصل والهروب للأمام.
مؤكد أن البعثة الأممية حريصة جدا على إنجاح وإنجاز خارطة الطريق لتحسب لها، لكن تباطؤ خطواتها قد يفقد الخطوة الأممية زخمها ومن ثم يسمح للأطراف المحلية مساحة من الوقت لمزيد من التلاعب والعرقلة.. لذا لابد من قفزات قوية وعيون حمراء موزعة على كل مناطق ليبيا والتخلي تماما عن استراتيجية الاحتواء والترضية للأطراف المحلية.. لربما يمكن للبعثة وخارطتها النجاح وتنفيذ بنودها.