بقلم| محمد غميم – كاتب وباحث في الشأن السياسي

أعلن محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، عبر بيان رسمي عن إطلاق ما أسماه “شهادات إيداع المضاربة المطلقة”، مقدماً إياها كأداة مالية جديدة لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. لكن هذه الخطوة تأتي في وقت يفتقد فيه الجهاز المصرفي الليبي لأبسط مقومات الثقة والائتمان، حيث يعيش المواطنون منذ سنوات معاناة حقيقية في التعامل مع المصارف، من صعوبة السحب إلى الانقسام المؤسسي، الأمر الذي يجعل هذه المبادرة أقرب إلى بيع الوهم منها إلى طرح حل عملي.

المصارف في ليبيا لم تستطع حتى الآن أن تقدم نفسها كحاضنة آمنة للمدخرات أو كوسيط مالي فعال. فالانقسام السياسي والمؤسسي ينعكس مباشرة على النظام المالي، مما يحد من قدرة أي مشروع على النجاح. وفي ظل هذه البيئة المرتبكة، تبدو شهادات الإيداع محاولة لتجميد أموال المودعين دون أي ضمان لتوظيفها في مشاريع إنتاجية تعزز الاقتصاد الحقيقي.

وتكمن خطورة هذه الخطوة في جملة من التحديات التي لا يمكن تجاهلها:

ضعف ثقة المواطنين في الجهاز المصرفي بعد تجارب مريرة مع صعوبة السحب والانقسام المؤسسي.

التضخم وتقلب سعر الصرف بما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للعائد الموعود على هذه الشهادات.

غياب التنوع الاستثماري، ما يجعلها أداة لتكديس الأموال بدلاً من تحريك عجلة الاقتصاد.

استمرار الانقسام بين السلطات، وهو ما يقوض الاستقرار اللازم لإنجاح أي مبادرة مالية.

غياب الضوابط الشرعية والشفافية في آليات التطبيق، مما يهدد بفقدان ثقة شريحة واسعة من المودعين.

كان من الأجدر بالمركزي أن يسبق هذه الخطوة بإجراءات عملية لإعادة بناء الثقة، عبر ضمان السيولة وتحسين الخدمات المصرفية، مع وضع رؤية واضحة لكيفية استثمار الأموال بما يخدم الاقتصاد الحقيقي. لكن بدلاً من ذلك، اختار أن يطرح مبادرة غامضة قد تتحول إلى عامل إضافي لتكريس أزمة الثقة، بدلاً من معالجتها.

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن بلداً غارقاً في الفساد والانقسام وأزمة سياسية خانقة لا يمكن أن ينهض بمجرد أوراق مالية أو أدوات مصرفية شكلية. فالمطلوب أولاً هو التوصل إلى حل سياسي شامل يضع حداً لحالة الانقسام، وخلق مناخ استقرار وأمن وثقة، ليكون الاقتصاد قادراً على استيعاب أي إصلاح أو مبادرة استثمارية. بدون ذلك، ستظل كل هذه المشاريع مجرد شعارات فارغة، تزيد من أعباء المواطنين، وتعمّق فقدان الثقة في مؤسسات الدولة.