مصباح السنوسي – عضو مجلس السياسات بالحزب الديمقراطي

في 21 سبتمبر 2021م صوّت مجلس النواب بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وذلك على بعد ثلاثة أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت مقررة حينها بهذا التصويت أصبحت الحكومة منتهية الشرعية ورغم ذلك استمرت في ممارسة سلطاتها ومستمرة في إنتاج الأزمات لا في حلها


منذ ذلك اليوم تحولت حكومة الدبيبه إلى سلطة أمر واقع تتكئ على الدعم الخارجي أكثر مما تستند إلى الشرعية المحلية واستمرت كجسم مفروض يحتكر القرار ويعبث بالثروات ويغلق المسار السياسي لصالح بقائها حكومة لا شرعية برلمانية لها لكنها تمارس الحكم باسم المرحلة المؤقتة


من يراقب أداء هذه الحكومة يدرك حجم الفساد الذي نخر مؤسساتها مشروعات وهمية صرف غير خاضع للرقابة إنفاق بمليارات على حملات دعائية وشبكات دعم داخلية بينما يئن المواطن تحت أزمات متتالية المال العام بات وسيلة للبقاء السياسي لا أداة للخدمة العامة

وظل التواصل مع دول إقليمية متدخلة في الشأن الليبي مقابل دعم سياسي يضمن بقاء الحكومة حتى ولو كان ذلك على حساب السيادة الوطنية
وفي خضم هذا المشهد المعقد ظهرت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني في سياق مسارات غير وطنية تسير عبر ووساطات إقليمية محاولات لم تكن تعبر عن إرادة الشعب الليبي بل عن مساع خفية لضمان القبول الدولي ببقاء حكومة الأمر الواقع

ولم تكن العلاقة مع العسكر في الشرق بعيدة عن هذا المشهد بل بدا وكأننا أمام زواج متعة سياسي يُعقد تحت الطاولة تُقسم فيه النفوذ وتُنسق فيه مصالح دون أن يكون للوطن مكان على مائدة التفاوض أحد أبرز الأمثلة على ذلك دخول شركة أركنو الغامضة التي تمكنت من توقيع عقد لبيع النفط الخام الليبي خارج الأطر الشرعية في سابقة خطيرة تمس الأمن الاقتصادي الليبي

وفي لحظة فارقة من عمر الوطن عادت الساحات لتنبض من جديد خرج شباب الوطن ليرفعوا صوتهم عاليًا ضد استمرار حكومة الأمر الواقع هذا الحراك هو نتيجة تراكم وعي وغضب مكتوم وانفجار شارع اختنق طويلًا تحت وطأة الفساد والوعود الكاذبة والتلاعب بإرادة الناس

لم تكن المظاهرات مسيسة كما يزعم خصوم الحرية بل كانت وطنية خالصة جاءت كرد فعل طبيعي على انسداد الأفق وعلى انكشاف من يختطف القرار الوطني لحسابات ضيقة حين يحتج الناس على سلطة قائمة فهم لا يمارسون هواية التمرد بل يمارسون أقدس الحقوق حق التعبير وحق التغيير

شباب الوطن قال كلمته بوضوح لا شرعية لحكومة فشلت في أداء واجباتها ولا شرعية لمن يسعى لتمديد سلطته ومن المؤسف أن يقابل هذا الحراك الشعبي بموجات من التشويه والتهديد والتخوين لكن لا يمكن تجاوز الحقيقة التالية التظاهر السلمي أحد أبرز مظاهر المشاركة السياسية وأهم أدوات الشعوب في التعبير عن موقفها من السياسات العامة

وهنا يجب أن تكون الرسالة واضحة التظاهر حق لكن لا يمكن القبول بأي اعتداء على الممتلكات العامة ولا بأي سلوك يسيء لصورة الحراك الشعبي من واجب الجميع حماية هذا الصوت النقي والدفاع عن سلمية التظاهر لأنها وحدها من تمنح الحراك شرعيته وتسقط كل الذرائع التي يتسلح بها خصوم التغيير
مسؤولية السلطة لا تقتصر فقط على حماية حق التظاهر بل في قراءة الرسائل السياسية التي يحملها الشارع فكل مظاهرة سلمية تحمل إنذارًا مبكرًا وكل تجاهل لصوت الناس قد يتحول إلى أزمة وطنية أكبر

والرسالة الأقوى التي حملها الشباب أنتم أمل ليبيا يا شباب الوطن أنتم اليوم لستم مجرد متظاهرين بل رسل التغيير الحقيقي أنتم جيل ولد من رحم النار ورفض أن يعيش في الظل لسنوات أوهمنا البعض أن الوطن قد عقم عن إنجاب رجال ونساء قادرين على القيادة والنهوض به خروجكم بهذه القوة بهذا الوعي وبهذا الإصرار هو الرد السياسي الأقوى على تلك الطبقة التي جعلت من السلطة غنيمة

أنتم لا تحتاجون لمن يمنّ عليكم بالحرية أنتم صناعها أنتم لستم الطرف الأضعف بل الكتلة التاريخية التي إذا قررت حسمت فلا تسمحوا لأحد أن يختزل نضالكم في فورة غضب ولا تسمحوا أن تباع مطالبكم في غرف الترضيات السياسية

صوت الشعب أقوى من الرصاص والمشهد واضح إرادة شعبية حقيقية في مواجهة منظومة تسعى لتأبيد الفشل الحرية