يبدو أن فريق الدفاع عن حفتر استنفذ كل الأوراق التي استعملها طوال أزيد من عام، وفشل مرة أخرى في إقناع قضاة محكمة فرجينيا بإعفائه من المثول أمامها, لمواجهة الدعاوى القضائية بخصوص جرائم الحرب التي رفعها ضده بعض أهالي الضحايا المدنيين.
القاضية الرئيسية في محكمة فرجينيا وضعت حدّاً، الجمعة الماضية، لكل تلك المماطلات، وطالبت حفتر بالحضور شخصيا خلال اجل زمني لا يتجاوز 14 يوماً، مع إلزامه بدفع 5 آلاف دولار من مصاريف محامي الضحايا.
السجن ومصادرة 17 عقارا مملوكا لحفتر في فرجينيا
وبصفته مواطناً أمريكياً، يجد حفتر نفسه ملاحقاً بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب الصادر عام 1991 في أمريكا، وتتهمه الدعاوى المرفوعة ضده في فرجينيا بالمسؤولية عن أعمالٍ ترقى إلى جرائم حرب ارتكبتها قواته في بنغازي، شملت القتل خارج القانون والتعذيب وجرائم ضد الإنسانية وتصرفات وحشية وغير إنسانية وعقوبات واعتقالات تعسفية، وينص القانون على عقوبات بالسجن ومصادرة الأموال وكل الأملاك التي قد تكون بحوزة حفتر في حال أدانته المحكمة بتلك الجرائم.
وقالت تقارير أمريكية أن خليفة حفتر يمتلك أصولا عقارية تقدر قيمتها بملايين الدولارات في الولايات المتحدة، وأوضحت أنه اشترى 17 عقارا مسجلين باسمه في ولاية فرجينيا الأمريكية من الأموال التي هربها من ليبيا، ومن بين أصول حفتر في فيرجينيا منزل ومزرعة في مدينة فولز تشيرش، لافتةً إلى أنه دفع 8 ملايين دولار نقدا لشراء أحد تلك الأصول.
كما يملك منزلا على مساحة 5600 متر مربع، تبلغ قيمته 2.5 مليون دولار، في مدينة “غريت فولز” بولاية مونتانا الأمريكية، وفي يوليو 2020، اشترى حفتر مزرعة خيول بقيمة 700 ألف دولار في مدينة “بويز” بولاية أوكلاهوما الأمريكية.
ماذا جاء في الدعوى ومن هم أصحابها؟
واحدة من أبرز الدعاوى القضائية التي تنظر فيها محكمة فرجينيا، أشارت إلى أن قوات حفتر المزدوج الجنسية، قصفت بقذائف هاون منزل المواطنة، سليمة جبريل، متسببة بمقتل ثلاثة من أطفالها، وهم عزيزة 3 أعوام، ومريم 8 أعوام، ومحمد 11 عاما، وجرح زوجها وابنتها ميادة.
تضيف سليمة أن قوات حفتر، وبعد ثلاثة أشهر فقط من قصف منزلها، اعتقلت زوجها علاء، ولم تعرف مصيره منذ ذلك الوقت.
أما الدعوى الثانية، فرفعها المواطن علي عبد الله حمزة، الذي قال في دعواه إنه راقب عن بعد أبناء عائلته في قنفودة التي تعاني من الجوع ونقص الماء والدواء بسبب الهجمات المتكررة من قوات حفتر، وقال إنهم أكلوا الأعشاب ولحاء الأشجار، وتنقلوا بين البيوت المهجورة لتجنب القصف.
وأضاف حمزة أنه في فبراير 2017، قام برحلة يائسة إلى تركيا لتوفير الماء والطعام لسكان قنفودة المحاصرين، ولم يصل الدعم، حيث ماتت والدته وشقيقاه وشقيقتاه جراء هجوم نفذته قوات حفتر.
وفي دعوى ثالثة اتهمت المرافِعة، منى الصويد، قوات حفتر بقتل أشقائها في بنغازي، عام 2014، عند هجومهم على منزلهم الواقع بمنطقة بوهديمة.
التخلي عن الجنسية الأمريكية لا يعفي حفتر من المحاكمة
بدأت إشاعات تتردد أن حفتر باشر إجراءات التخلي عن الجنسية الامريكية، للإفلات من المحاكمة بموجب قانون جرائم الحرب الأمريكي، لكن خبراء يؤكدون ان القانون الأمريكي لا يعفي الذي تنازل عن الجنسية الأمريكية من الملاحقة القضائية المحتملة عن الجرائم التي ارتكبوها، أو قد يرتكبونها في المستقبل، والتي تنتهك قانون الولايات المتحدة الأمريكية، أو الإفلات من سداد الالتزامات المالية، ولا يُعفيه أيضاً من دفع أي ضريبة مستحقة للحكومة او أي حقوق، بما في ذلك مدفوعات إعالة الاطفال. كما انه في حالة لم يعلن حتى الآن فريق دفاعه أو أي جهة أخرى تتبعه انه تقدم فعلا بطلب التخلي عن الجنسية، فبحسب قانون الجنسية الأمريكي، فإن التخلي عن الجنسية قد يستغرق سنتين او أكثر، بحيث يقدم حفتر طلبا شخصيا مؤكدا فيه التخلي عن الجنسية الامريكية إلى قنصلية أو بعثة أمريكية خارج الحدود، وإلا فلا يعتبر فاقداً للجنسية الأمريكية.
القضاء يسقط طلب الحصانة
منذ ان قبلت محكمة فرجينيا رسميا الدعاوى ضده، حاول فريق دفاع حفتر عدة مرات وبحجج مختلفة التهرب من المحاكمة، فالتمس أولا منحه الحصانة السيادية بحجة “مهام رئاسية” في الدولة الليبية، حسب وصف فريق دفاع حفتر، لكن بعد الانتهاء من الاستماع للالتماس, قضت قاضية المقاطعة الأمريكية ,ليوني برينكيما, بأن حفتر لا يمكنه الادعاء بحصانة رئيس الدولة، وأشارت إلى أنها استشارت وزارة الخارجية الأمريكية في القضية مرتين ,في عهد الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن, واختارت الخارجية عدم التدخل في المرتين.
حفتر: محاكمتي تؤثر على المصالحة والحوار
بعد قضاء المحكمة بعدم إمكانية حفتر الادعاء بحصانته من الدعاوى القضائية، طالب فريق دفاعه بعدم محاكمته كونها تؤثر على مجريات الحوار السياسي واتفاق وقف إطلاق النار، خاصة وأن موكلهم يعد طرفاً أساسياً للوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة حسب زعمهم، ومرة أخرى قوبل هذا الالتماس بالرفض من قبل محكمة شمال فرجينيا.
وثيقة مزورة للإفلات من القضاء
وفي محاولة أخيرة للتهرب من الدعاوى القضائية، استند حفتر على وثيقة مزورة منسوبة إلى وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، يزعم مقدميها أن القانون العسكري وقانون العقوبات الليبي تمنع حفتر من المثول امام المحكمة للاستجواب، ويضعه تحت طائلة العقوبات لإفشائه أسراراً عسكرية، وهو ما كذبته وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية في بيان رسمي، كما انه لم يقنع قاضية المحكمة التي رفضت طلب حفتر وفريق دفاعه.
وفي لقاءٍ صحفي مع رئيس مؤسسة “الديمقراطية وحقوق الإنسان”، عماد الدين المنتصر، أفاد ببدءِ دعوى جماعية، من المتوقع أن تبدأ بعدد عشرة إلى عشرين ضحية، ولكن العدد النهائي قد يصل إلى بضعة آلاف، وسيصل حجم التعويضات المفروضة على حفتر إلى حوالي عشرة مليار دولار.