الميزانية العامة كما هو معروف هي بيان بالإيرادات المتوقع تحصيلها و بالنفقات المتوقعة إنفاقها خلال فترة مالية عادةً سنة .
و في نفس الوقت هي خطة مالية سنوية لتحقيق جملة من الأهداف و أداة لتحقيق الإستقرار الإقتصادي و حماية الإنتاج المحلي و تحقيق العدالة الإجتماعية عبر إستخدام الحكومة للإنفاق العام و الضرائب كوسيلة لذلك .
لكن عدم إلمام الحكومة بتلك المفاهيم كما يبدو و عدم إنتهجاها للعقلية الإقتصادية أثناء إدارتها للإنفاق العام كان سبب مباشر في إنعكاس ذلك سلباً على الوضع الإقتصادي و تدهوره اليوم و ذلك بإعترف وزير الدولة للشؤون الإقتصادية نفسه .
فالحكومة يبدو لم تكن تدرك إن زيادة الإنفاق العام خلال العام 2021 م و بمعدلات كبيرة عن مستوياته في 2020 و 2019 م تعني زيادة في دخول المواطنين و زيادة طلبهم على الإستهلاك للسلع و الخدمات و من ثم إرتفاع أسعارها في إقتصاد غير مرن و غير منتج .
كما يبدو لم تكن تدرك إن الإيرادات التي قدرتها ب بقيمة 90.000 مليار دينار معظمها غير حقيقية ناتجة عن تخفيض سعر الصرف و لم تكن ناتجة عن زيادة إنناج و أسعار النفط أو أي مصادر أخرى و الأدهى من ذلك لم تكن تدرك إن كافة المواطنين هم من سيقومون بدفع معظم قيمة تلك الإيرادات .
و الحقيقة نزعة الحكومة في التوسع و الإفراط في الإنفاق كانت واضحة و جلية من خلال مشروع الميزانية الذي تقدمت به خلال العام الماضي 2021 م الذي ناهز من 103.000 مليار دينار و ليس 93.000 مليار دينار( مرفق صورة ) و ذلك بعد أن أخلت بالضوابط و القواعد و الأسس المنطمة لإعداد و تنفيذ الميزانية لعل أبرزها .
1- إدراجها لإيرادات نفطية عن سنوات سابقة بقيمة 17.000 مليار دينار كمصدر تمويل لميزانيتها و من ثمة إظهارها كفائض بمشروع الميزانية بقيمة 15.000 مليار دينار في مخالفة صريحة حتى لمفهوم الميزانية .
فالإيرادات المقصودة بالميزانية الإيرادات المتوقع تحصيلها خلال سنة 2021 م و ليس الإيرادات السابقة التي يفترض إحالة قيمتها إلى حساب الإحتياطي العام ، و إستخدامها لا يتم إلا بموافقة السلطة التشريعية .
2- عدم إستقطاعها لما نسبته %05 من إجمالي الإيرادات النفطية لسداد أقساط الدين العام للحد من تفاقمه و ذلك عملاً بإحكام القانون رقم (15) لسنة 1986 م بشأن الدين العام .
3- عدم إستقطاعها لما نسبته %15 من اجمالي الموارد النفطية و إحالتها إلى حساب الإحتياطي العام عملاً بإحكام القانون رقم 127 لسنة 1971 م
3- عدم إلتزامها بالقانون رقم (13) لسنة 2000 م بشأن التخطيط و ذلك فيما يتعلق بضرورة تمويل ما نسبته %70 من مخصصات الميزانية التسييرية ( المرتبات و نفقات التسيير ) من حصيلة الإيرادات السيادية ( ضرائب و جمارك و فوائض شركات عامة ) .
4- عدم إلتزامها بإعادة قيمة الأرصدة الدفترية لبواقي الميزانية في 31/12/2021 م إلى حساب الإيراد العام .
5- إدراجها مخصصات لباب الطوارئ ضمن مشروع الميزانية رغم إن نفقات الطوارئ تتطلب ظروف إستثنائية طارئة ينظم قانون النظام المالي الدولة و لم تكن موجودة أثناء تقديم المشروع .
6- عدم إلتزامها بمبداء أو قاعدةً عدم تخصيص الإيرادات التي تقضي بجباية كافة الإيرادات العامة و توريدها و عدم إستخدامها لمواجهة نفقات معينة ، من أمثلة ذلك تخصيص جزء من ايرادات شركات الاتصالات لشراء أضاحي العيد و غيرها .
و في الختام فإنه بالتأكيد لو ألتزمت الحكومة أنذاك بتلك الضوابط و القواعد و أشتعلت بعقلية إقتصادية لتفادت تدهور الإقتصاد و تفاقم معاناة المواطنين .
لكن الأسواء من كل ذلك هو إنه لم يتحول ذلك المشروع حتى إلى وثيقة قانونية تحدد أوجه الصرف على الأبواب و البنود و أغراضه و تلزم الحكومة بالصرف في حدودها و عدم تجاوزها إلا بقانون .
الكاتب: نورالدين رمضان حبارات متابع و مهتم بالشأن الاقتصادي