ذكرت دراسة نشرتها دورية “ساينتفك ريبورتس” (Scientific Reports) أمس “الثلاثاء”، 24 نوفمبر، أن تناوُل الأغذية الغنية بالفلافانول يُمكن أن يَزيدَ من القدرة على أداء المهمات المعرفية بصورة كبيرة.
وأوضحت الدراسة، التي أجراها فريق بحثي من كلية علوم إعادة التأهيل بجامعة برمنجهام، أن “الفلافانول عبارة عن مجموعة من الجزيئات التي توجد بشكل طبيعي في الفاكهة والخضراوات، والكاكاو والشاي”.
وأضافت أن “الأشخاص الذين تناولوا مشروب الكاكاو الغني بالفلافانول كانوا قادرين على إكمال بعض المهمات المعرفية بكفاءة أكبر، مقارنةً بالأشخاص الذين تناولوا مشروب كاكاو لا يحتوي على الفلافانول”.
خضع المشاركون في الدراسة لتصوير دماغي غير جراحي؛ لقياس مستويات أكسجة الدم الوارد إلى المخ. وأظهر الباحثون أن المشاركين الذين تناولوا المشروب الغني بالفلافانول تمتعوا بزيادة أسرع وأكبر في مستويات الأوكسجين في الدم استجابةً لمستويات مرتفعة اصطناعيًّا من ثاني أكسيد الكربون تُسمى علميًّا بـ”فرط ثنائي أكسيد الكربون”، الذي يحدث عندما تكون هناك زيادة في تركيز “ثاني أكسيد الكربون” في مجرى الدم.
وعلى الرغم من أن الباحثين استخدموا الكاكاو في التجربة، إلا أن مركبات الفلافانول شائعة للغاية في مجموعات واسعة من الأغذية، مثل العنب والتفاح والشاي والتوت وغيرها، ومن المعروف أن تلك المركبات لها تأثيرٌ مفيدٌ على صحة القلب والأوعية الدموية، ولكن آثارها على صحة الدماغ غير مفهومة جيدًا، وتلك هي المرة الأولى التي يُحقق فيها الباحثون في التأثيرات المعرفية للفلافانول.
يشير الباحثون إلى أنه “بالإضافة إلى الفوائد المعروفة لتلك المركبات على القلب والأوعية الدموية، فإن نتائج الدراسة تؤكد أن الفلافانول له تأثيرات معرفية، وهو الأمر الذي سيمكِّن الباحثين في المستقبل من تقديم إرشادات محسَّنة للأشخاص حول كيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الخيارات الغذائية”.
في الدراسة، خضع 18 مشاركًا من الذكور الأصحاء تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا لإجراء معياري لتحدي الدورة الدموية في الدماغ، يتضمن استنشاق 5٪ من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل حوالي 100 ضِعف التركيز الطبيعي في الهواء، مما أدى إلى حدوث تأثير يسمى فرط ثنائي أكسيد الكربون.
وتم استخدام مطيافية الأشعة تحت الحمراء القريبة غير الغازية، وهي تقنية تستخدم الضوء لالتقاط التغيرات في مستويات الأوكسجين في الدم، لتتبُّع الزيادات في أكسجة الدماغ في القشرة الأمامية استجابةً لتحدي ثاني أكسيد الكربون.
خضع كل مشارك للاختبار قبل وبعد شرب مشروب الكاكاو في مناسبتين، وفي إحدى تلك المناسبات، تم إثراء المشروب بالفلافانول. وبعد اختبار ثاني أكسيد الكربون، طُلب من المشاركين إكمال عدد من الاختبارات المعرفية المعقدة تدريجيًّا.
وجد الباحثون أن مستويات أكسجة الدم لدى المشاركين الذين تناولوا المشروب الغني بالفلافانول وصلت إلى مستويات أعلى بثلاث مرات من المشاركين الذين شربوا مشروبًا غير غني بالفلافانول. كما نجح المشاركون الذين شربوا مشروب كاكاو غني بالفلافانول في حل الاختبارات أسرع بدقيقة واحدة من المشاركين الذين شربوا الكاكاو دون فلافانول.
في الاختبارات المعرفية، وجد الباحثون اختلافاتٍ كبيرةً في السرعة والدقة التي أكمل بها المتطوعون المهمات الأكثر تعقيدًا، فقد أدى المتطوعون الذين تناولوا مشروبًا غنيًّا بالفلافانول مهماتهم بمعدل 11٪ أسرع في المتوسط.
تقول “كاتارينا رينديرو”، مُحاضر علوم التغذية بجامعة برمنجهام، وهي المؤلفة المشاركة في الدراسة: إن تناوُل مشروب واحد من فلافانول الكاكاو يحسِّن مستويات أكسجة الدم داخل المناطق الأمامية من الدماغ، عن طريق جعل الهيموجلوبين المؤكسج يرتفع بحوالي ثلاثة أضعاف وبسرعة كبيرة، مقارنةً بالمشروبات التي تحتوي على فلافانول أقل.
تضيف “رينديرو” في تصريحات لـ”للعلم”: يعرف الباحثون منذ سنوات عديدة أن الفلافانول من الكاكاو (على وجه الخصوص) يمكن أن يحسِّن وظائف الأوعية الدموية لدى البشر عن طريق تحسين وظائف الأوعية الدموية/الشرايين. وتظهر هذه الفوائد حتى بعد جرعة واحدة فقط من الكاكاو. ومع ذلك، فإن المدى الذي يمكن أن يُترجَم به بعض هذه الفوائد إلى الأوعية الدموية في الدماغ كان أقل وضوحًا. وهنا يأتي دور هذه الدراسة؛ إذ أردنا اختبار ما إذا كانت هذه المركبات يمكنها تحسين أكسجة الدم في الدماغ، وما إذا كان ذلك سيترجم إلى فوائد معرفية، وقررنا أنه من المهم فعل ذلك في مجتمع أصحاء يتمتعون بأدمغة صحية وسليمة.
وتتابع: مستويات الأوكسجين تُحدد نتائج الأداء المعرفي؛ فكلما زادت تلك المستويات تحسَّن الأداء المعرفي، ومن المعروف أن الأوكسجين الفعال للدماغ هو مفتاح الإدراك والأداء المعرفي، وحقيقة أن الفلافانول يمكن أن يكون فعالًا في تحسين أكسجة الدم في الدماغ والوظيفة المعرفية حتى في الدماغ السليم هي اكتشاف رائع، وتعني أنه يمكننا جميعًا الاستفادة من الأنظمة الغذائية الغنية بالفلافانول، ويمكننا القول بأن مشروب الكاكاو يجعلنا أكثر ذكاءً بشكل ما.
من ناحية أخرى، فإن ضعف أكسجة الدماغ وتدفُّق الدم شائع لدى الأشخاص في سن أكبر أو المعرَّضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الخرف، لذا بالنظر إلى المستقبل “نود اختبار ما إذا كان يمكن ترجمة هذه الآثار المفيدة، التي من المحتمل أن تكون الأكثر فائدةً لكبار السن”، وفق “رينديرو”.
المصدر: ساينتيفك بالعربي