بقلم:يوسف الغزال-كــــاتب
القائد معمر القذافي ، لم ولن يأتي التاريخ بمثله ، قائد غريب الاطوار ، خجول جدا ووقح جدا ، يجمع الصفات المتناقضة في شخصية واحدة ، لاتعرفه بسهولة متدين أم شديد الإلحاد ، أم هو عبقري أو شديد الغباء ، هو قوي وفي منتهى الضعف ، هو صادق الضمير ولسانه ماكينة من الكذب ، إنه الرجل الوحيد في هذا العالم الذي يكذب بصدق .
مفكر غريب ، يقدم البديهيات على أساس أنها من إكتشافه يقول ( الدجاجة تبيض والديك لايبيض) ، يتنبأ بالمستقبل ( السود سيسودون العالم) لا تتوقع سلوكه ، ولا حتى شكل ملابسه ، وصف نفسه بأنه رسول الصحراء يفضل الخيمة على القصر ، حليب الناقة على حليب البقرة ، رجل يحمل تحت جلده كل التناقضات في تناسق تام.
الزعيم البدوي الصغير الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره ، فجأة وجد حلم الزعامة يتحقق ، ونال لقب أمين القومية من زعيم الامة العربية ، وتولى الحكم في دولة بترولية تملك خمس مواني نفط .
لم تدم الفرحة طويلا ، صدمته دولة القانون والشرعية الدستورية وقانون وفصل السلطات ، وحرية الصحافة ، ونظام الدورة المستندية ، والقانون الادراية في التراتبية لتولى المناصب حسب الدرجة والاقدمية ، وشعر بفشله بصغر حجمه أمام الدولة العتيدة .
قرر إزالة كل العوائق أمامه ، أعلن في خطاب زوارة التاريخي بأنه سوف يستقيل من قيادة الثورة إذا لم تتحقق النقاط الخمس ، والتي منها تعطيل كافة القوانين ، وإستبدال الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية ، وتطهير البلاد من كل الشيوعيين الرأسماليين والبعثيين والفاشيين والملحدين والاخوان المسلمين ، يعنى تطهير البلاد من كل صاحب رأي.
تحركت مشاعر سلوك القطيع في الجماهير ، وبلغ الحماس بإعلان أحد المتظاهرين ذبح إبنه فداء للقائد وسط هتاف الجماهير يقول (دوم معمر هو القائد من غيره خراف زايد )
بعد خطاب زوارة تماهي القائد البدوي مع سلوك القطيع ودخل حالة من عشق الذات وبلغ به جنون العظمة مابلغ .
أصبح القائد الذي ثار على الملك والنظام الملكي يفتخر بأنه ملك الملوك.
أصبح القائد ينادي بالإشتراكية ، يعشق لبس تيجان وقلائد من ذهب ، ويمسك في يده صولجان من ذهب.
أصبح القائد الذي يؤمن بأن الشعب سيد الجميع ، من يخرج عن سيادته فهو كلب ضال أو جرذ مغرر به.
أصبح القائد هو المبشر بعصر الحرية والانعتاق النهائي لكل الشعوب ويمنع الرأي الاخر أو الخروج في المظاهرات.
أصبح القائد دكتاتور مستبد ، كما أنه يعشق الديموقراطية المباشرة ويبشر بها العالم كله .
أصبح القائد دولي يطالب بقيام نظام عالمي جديد ، وينادي بالغاء كل القوانين الدولية ومزق ميثاق الأمم المتحدة أثناء جلسة رسمية للجمعية العامة.
شكل فرق سرية من اللجان الثورية لتصفية كل المعارضة في الداخل والخارج ، وشنق الناس على شاشات التلفزيون وهو محب للسلام ويؤمن بحقوق الإنسان وأسس جائزة بإسم (جائزة القذافي لحقوق الانسان) مثل دور الأب الروحي للعالم وقام بتكريم اشهر شخصيات العالم مثل البابا شنودة والمناضل نلسن مانديلا ورجب الطيب اوردغان ومهاتير محمد وأطفال البوسنة الهرسك…..الخ.
كان القائد متدين ينادي بأن القرآن شريعة المجتمع ويقترح تعديلات في القرآن والسنة.
كان القائد الحر ، ولكنه لايخلق قادة أحرار ، بل يصنع أتباع عبيد يهتفون ( الله) و(معمر)و (ليبيا) وبس.
كان القائد الذي يدعو لزيادة الانتاج ولكنه ضم القطاع الخاص للوظيفة العامة وقتل روح المبادرة عند الناس.
دمج التعليم مع الجيش واصبحت المدرسة ثكنة عسكرية المعلم ضابط معلم ، ونقل الطلاب من مقاعد المدرسة إلى أرض المعركة مباشرة.
كان القائد الذي يدعو لمجتمع الابداع والتألق ويمنع مدح لاعب أو حتى ذكر إسمه أثناء مبارة.
كان القائد الجماهيري شعبوي بإمتياز يخطب ساعات طوال ، وسط حماس الناس وهم يهتفون بجنون (علمنا ياقائد علمنا أحسن شيء لمستقبلنا ) ، كان يكذب على الناس والناس تعرف أنه يكذب عليهم ، هو يعرف ان الناس تعرف أنه يكذب عليهم ، وهم يكذبون عليه بالمثل وهو يعرف انهم يبادلونه الكذب ، كان الرجل الوحيد الذي يمارس الكذب بصدق وحماس حتى يبح صوته ، الجماهير تدخل في حالة من الحماس والهتاف الهستيري و لا تطلب شيئا غير المزيد من القسوة .
( عدو القائد مانبيه نسحب الاقسام ونصليه)
( ياقائد لا ترحم من خان ، شنق في الميدان )
( تبي وإلا ماتبيش من غير معمر مافيش )
( الثورة مستمرة والخائن يطلع برا )
أربعون عام ونار الثورة مشتعلة ( القِدر يفور) أصبح هو القائد الاول ، والرياضي الاول والمعلم الاول والمفكر الاول والمهندس الاول وهو الفحل الاول الممرضة (قالينا) متفرغة لفحص دم النساء في غرفة نوم القائد ، لم تشاع جرائم جنسية على زعيم عربي مثله.
كل هذه الاسباب وغيرها جعلته يغرق في بحر أحلامه بدأ الغضب الشعبي يتنامى ورائحة تعفْْن النظام تفوح شكل مئات لجان تطهير ، زاد الفساد في البلاد ، لابد من السقوط لشخص يسقط بسهولة ، ولا يموت بسهولة .
كل الشعوب فشلت في إسقاط النظام المستبد إلا بتدخل دول كبرى مثل هتلر في المانيا موسوليني في ايطاليا وفرانكو في اسبانيا.
شارك الشعب الليبي في الربيع العربي ، هدد القائد بالنار الحمراء ، وزع السلاح ، وقرر تطهير البلاد من الثوار ( دار دار)و( زنقة زنقة).
فتش الثوار مخابئ ومعاقل القذافي (غرفة غرفة) و(حفرة حفرة) قبضوا عليه كما تقبض على الدجاجة مختبئة ، بدون رصاصة واحدة والمسدس الذهبي في يده.