محمد غميم – كاتب سياسي

تمر ليبيا اليوم بمرحلة بالغة الخطورة، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، لتنعكس آثارها مباشرة على حياة المواطن الليبي الذي أصبح يدفع ثمن الفوضى والانقسام من قوت يومه. وفي قلب هذه الأزمات، يقف المصرف المركزي عاجزاً عن أداء دوره الحيوي في حماية استقرار العملة وضبط سوق الصرف، بعدما تحولت ساحة الاقتصاد إلى ميدان مفتوح أمام المضاربين والمتلاعبين بالسوق.

لقد أصبح المضاربون هم اللاعب الأقوى اليوم، مستغلين نقص العملة الأجنبية (الدولار واليورو) وشح الدينار نفسه في السوق، وسط عجز واضح من المصرف المركزي عن توفير السيولة اللازمة، سواء للمصارف التجارية أو للتجار والمستوردين. وما يزيد الطين بلة، لجوء المركزي إلى سياسات الترهيب والملاحقات الأمنية لمحاولة السيطرة على السوق، في حين أن هذه الأساليب لم تؤدِ سوى إلى زيادة التوتر، وارتفاع أسعار العملات الأجنبية أكثر، لتتضاعف أعباء المواطن الذي يعاني أصلاً من غلاء الأسعار وفقدان الثقة في المؤسسات المالية.

لكن الأخطر من الأزمة الاقتصادية ذاتها، هو ما شهده الليبيون منذ سنة تقريباً عند أبواب المصرف المركزي وحادثة الاقتحام ، التي مثّلت ضربة قاسية لهيبة الدولة، وكشفت حجم الانفلات الأمني والفراغ السياسي. صحيح أن هناك أسباباً متشابكة لهذه الواقعة، أبرزها الفوضى الأمنية وضعف الدولة، إلا أن تكليف الحكومة لأحد قادة المليشيات بفتح أبواب المركزي بالقوة كان أحد العوامل التي أجّجت الموقف، لكنه ليس السبب الرئيسي للأزمة، التي جذورها أعمق بكثير، وتتمثل في الانقسام السياسي، وضعف المؤسسات، وتفشي الفساد، وفقدان الدولة لسيادتها على مؤسساتها السيادية.

إن ضياع هيبة الدولة ليس مجرد عنوان صحفي، بل حقيقة تعيشها ليبيا كل يوم. فلا يمكن الحديث عن حلول اقتصادية أو استقرار مالي في ظل انقسامات سياسية، وحكومة عاجزة لا تملك قراراتها، ومصرف مركزي بات جزءاً من الصراع لا أداة لحله.

الحل الحقيقي يبدأ من السياسة، عبر الإسراع بتشكيل حكومة موحدة قوية، قادرة على استعادة الأمن، وفرض سلطة القانون، وتحرير المصرف المركزي من الضغوط والابتزاز، ووضع خطط اقتصادية عاجلة لوقف نزيف السوق، وإعادة الثقة للمواطن الليبي الذي لم يعد يحتمل مزيداً من الأزمات.

إن بقاء الوضع على حاله يعني مزيداً من الفوضى، وتفاقم الأزمة النقدية، وضياع ما تبقى من هيبة الدولة ومؤسساتها. ولعل أول خطوة في طريق الإنقاذ هي الاعتراف بأن الاقتصاد لا يمكن إصلاحه دون إصلاح السياسة أولاً.