تعدّ الهجرة غير الشرعية قضية معقدة، تتداخل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ليبيا؛ بل محورًا أساسيًا للتلاعب السياسي والاستغلال المالي.

تستخدم حكومتا الدبيبة وحماد ملف الهجرة كورقة ضغط على الدول الأوروبية والمجتمع الدولي، ويسعى كلاهما للحصول على دعم مالي ومساعدات إنسانية تحت ذريعة مكافحة الهجرة غير الشرعية، ليتم توظيف هذا الدعم غالبًا لتحسين صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي والمواطنين، وليس لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة.

وتروج الحكومتان للجهود المبذولة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، على أنها إنجازات كبيرة، رغم أنها غالبًا ما تكون سطحية وتركز على النتائج القصيرة الأمد دون معالجة الأسباب العميقة للمشكلة.

ويُصور الإعلام المحلي الموالي للحكومتين تلك الجهود، على أنها دليل على النجاح في تحقيق الأمن والاستقرار، في محاولة منه لجذب التأييد الشعبي لها.

وفي المقابل، تستغل المجموعات المسلحة في ليبيا المهاجرين بطرق متعددة، أبرزها الابتزاز والاتجار بالبشر، ويتم احتجاز مجموعات من المهاجرين في مراكز احتجاز غير قانونية، ويجبرون على دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم، وفي كثير من الحالات، يتعرض المهاجرون للتعذيب وسوء المعاملة خلال فترة احتجازهم.

وتستخدم مجموعات مسلحة أخرى المهاجرين كعمالة رخيصة أو قسرية في أعمال شاقة؛ مما يعود عليها بأرباح مالية كبيرة.

 يُجبر المهاجرون على العمل في ظروف غير إنسانية وبلا أجر مناسب؛ ما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات المستمرة.

وعند الحديث عن الهجرة غير الشرعية في ليبيا، فإنه لزاما علينا أن نذكر إيطاليا التي أبرمت اتفاقيات ثنائية مع بعض الفصائل والمجموعات المسلحة الليبية لضبط تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وتتيح هذه الاتفاقيات لإيطاليا تقليل أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها، لكنها في الوقت نفسه تقوي هذه المجموعات المسلحة وتعزز من نفوذها وقوتها في ليبيا.

فإيطاليا معروفة بتقديمها الدعم المالي والتقني للمجموعات المسلحة التي تسيطر على مراكز احتجاز المهاجرين والمناطق الحدودية، وهذا الدعم غالبًا ما يتم دون رقابة كافية؛ مما يؤدي إلى استمرار انتهاكات حقوق الإنسان واستغلال المهاجرين من هذه المجموعات.

حضور ميلوني كان بارزا في المنتدى الذي عقدته حكومة الدبيبة بشأن الهجرة قبل يومين في العاصمة طرابلس، قابله غياب معظم الدول المعنية بالملف، كالجزائر ومصر وفرنسا والنيجر والسودان، وحتى الاتحاد الأوروبي الذي اكتفى بحضور ممثل عنه فقط.

ويعزو متابعون هذا الحضور الضعيف وغياب الفاعلين لعدة أسباب أبرزها:

1. عدم الثقة في حكومة الدبيبة:

 حيث تعاني الحكومة من انقسامات داخلية ونقص في الشرعية الدولية؛ مما يجعل بعض الدول المعنية تنظر للحكومة الحالية على أنها غير قادرة على تقديم حلول حقيقية لمشكلة الهجرة، وبالتالي لا تود المشاركة في منتدى قد لا يسفر عن نتائج ملموسة.

2. الأوضاع الأمنية المتدهورة:

 يشكل الوضع الأمني الهش في ليبيا عائقًا كبيرًا أمام مشاركة الدول في المنتديات الدولية التي تعقد داخل البلاد؛ حيث تخشى الدول من تعرض ممثليها للخطر في ظل وجود مجموعات مسلحة متناحرة وعدم وجود ضمانات أمنية كافية، خاصة أن ليلة انعقاد المنتدى، اندلعت اشتباكات مسلحة على بعد كيلومترات من مكان انعقاده، حيث تسبب هذه الاشتباكات في مقتل مواطنة وحالة هلع كبيرة لدى السكان.

3.اختلاف المصالح:

قد تكون هناك اختلافات جوهرية في المصالح بين الدول المعنية وحكومة الدبيبة، فبعض الدول غير راضية عن السياسات الليبية الحالية تجاه ملف الهجرة، وترى أن مشاركتها في المنتدى لن تخدم مصالحها أو تعزز من موقفها التفاوضي.

4. الضغوط السياسية:

قد تكون هناك ضغوط سياسية من دول أخرى أو منظمات دولية بعدم المشاركة في المنتدى، هذه الضغوط قد تكون نتيجة لسياسات معينة تتبناها هذه الدول تجاه ليبيا أو نتيجة لتوترات سياسية إقليمية ودولية.

ختامًا

ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا قضية معقدة تتشابك فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية، ولطالما لا توجد حكومة موحدة قوية تحكم ليبيا، فإن الحكومات الحالية ستستمر في استخدام هذا الملف لتحقيق مكاسب سياسية ومالية دون تقديم حلول جذرية تنهي هذه القضية.

وفي تقديري الخاص فإن الحل الحقيقي لإنهاء أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا بالتحديد، يتطلب جهودًا دولية موحدة وصادقة تنهي حالة الانقسام السياسي الحاصل في البلاد، وبعدها يمكن وضع خطة دولية تعالج الأزمة أولا في دول المصدر وبعدها تعرج على دول العبور.

فكل جهد يُبذَل في اتجاه إنهاء الانقسام والتمكين لحكومة موحدة قوية سيقود إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والذي ستنعكس نتائجه إيجابًا على ملف الهجرة غير الشرعية.