في زمن تتداخل فيه الشعارات مع الواقع، وتضيع فيه الحدود بين الحقيقة والتمثيل، برزت حكومة الدبيبة كنموذج صارخ للتناقضات. حكومة تتغنى بالسيادة بينما تمارس ما يهدمها، وتردد شعارات “عودة الحياة” فيما تُغرق حياة المواطنين في مزيد من الأزمات، وتعيش حالة انفصام بين الصورة المصنوعة في القاعات والفنادق، وبين واقع الطرق المتهالكة، والمدارس الخاوية، والناس الذين يزداد يومهم عسراً بعد عسر.

🔸عودة الحياة… ولكن نحو الأسوأ

يتحدثون عن مشروع “عودة الحياة” وكأن ليبيا تعيش نهضة غير مسبوقة. لكن الليبيين الذين يقفون في طوابير البنزين، ويبحثون عن الدواء بأسعار مضاعفة، ويشاهدون أسعار السلع تتصاعد بلا رقيب، يدركون أن الحياة لم تعد إلا أكثر ضيقاً.
مشاهد البنية التحتية تكفي وحدها كحكم نهائي: طرق تختنق بالازدحام، شبكات تصريف تغرق أمام أول حبات مطر، وجسور وتقاطعات تتآكل كأنها بُنيت من ورق. أما الكتاب المدرسي، فصار حكاية متكررة بين الغياب والتبرير، حتى بات رمزاً لفشل الإدارة وعجزها.

🔸احتفالات مكافحة الفساد… في دولة تتصدر الفساد

من أغرب المشاهد وأكثرها تناقضاً هو تزيين القاعات وتنظيم الاحتفاليات الضخمة للحديث عن اليوم العالمي لمكافحة الفساد. ليبيا حسب تقارير Transparency International لعام 2024 حققت:

13 نقطة من 100 في مؤشر الفساد
المرتبة 173 من 180 دولة

تراجع من 18 نقطة ومرتبة 170 في عام 2023

أي أن الفساد يتفاقم لا يتراجع، والمشهد الإداري يزداد سوءاً حسب تقارير الخبراء التي تؤكد أن ضعف المؤسسات والانقسام السياسي والنفوذ المسلح وإدارة النفط كلها عوامل تُغذي هذا الانهيار.

ورغم هذا الواقع الكارثي، لا تجد الحكومة حرجاً في نصب منصات وفنادق وخيام للاحتفال بالإنجازات الوهمية، والحديث عن النزاهة بينما الأرقام تكشف الحقيقة المرة.

🔸أيام طرابلس الإعلامية… ترف مصطنع في زمن المعاناة

من أكبر التناقضات ما يسمى أيام طرابلس الإعلامية، مهرجان تُنفق عليه الملايين بينما يعيش المواطن أزمات معيشية تكاد تسحق طبقته المتوسطة والفقيرة.
يحدث هذا في وقت جاءت فيه ليبيا في تصنيف RSF لعام 2025 في:

المرتبة 137 من أصل 180 دولة في حرية الصحافة

مع توثيق اعتقالات وتهديدات وملاحقات للصحفيين

وغياب قوانين تضمن الرأي الحر أو الوصول للمعلومات

أي أن الحريات الإعلامية في ليبيا داخل خانة الوضع الصعب، بينما تُقام احتفالات تمجد حرية التعبير في بلد لا تُحمى فيه حتى الكلمة.

🔸ملتقى الدبلوماسية… حين يغيب الجوهر ويُصنع الشكل

ومن التناقضات الفاضحة أيضاً ملتقى الدبلوماسية الذي عقده الدبيبة في طرابلس، تحت شعارات كبيرة عن “تعزيز الدور الخارجي” و“تفعيل الدبلوماسية الليبية”.
لكن الواقع أن الدبلوماسية الحقيقية غائبة بالكامل:

  • السفراء يتبدلون وفق الولاءات لا الكفاءة.
  • البعثات الليبية في الخارج تعاني من الفوضى، وتخضع للمحسوبيات.
  • ليبيا غائبة عن ملفات إقليمية كانت لاعباً فيها سابقاً.
  • علاقات خارجية تُدار بردود الفعل لا بسياسة واضحة.

فصار الملتقى مجرد عرض بروتوكولي يهدف لخلق صورة زائفة عن نشاط دبلوماسي غير موجود أصلاً، تماماً كما يحصل في باقي ملفات الحكومة: شكل جميل… ومحتوى فارغ.

ختاماً… تناقضات تكشف الحقيقة

المشهد الليبي اليوم مكتظ بالتناقضات:
شعارات تُرفع… وواقع يسقط.
قاعات تُزين… وطرق تنكسر.
احتفاليات تُقام… وفساد يتوحش.
وعود تتكرر… وحياة المواطن تتآكل.

لكن مع كل فضيحة، ومع كل انكشاف جديد، يزداد وعي الناس بحجم العبث. ومع هذا الوعي تتشكل ملامح الخلاص.
خلاص لا يتحقق إلا حين يقول الشعب كلمته، ويعيد امتلاك وطنه من هذه الطغمة الفاسدة التي أنهكت ليبيا وأثقلت كاهل أهلها.