وددت التنويه إلى مسألتين في غاية الأهمية؛ دأب بعض الساسة الليبيين على اتباعها بعبط وقلة فهم، أولا وهمُ أن المال وحده يشتري المواقف الدولية، وثانيًا الاعتقاد أن تقديم التنازلات العشوائية سيُكافأ بدعم سياسي أو بقاء في السلطة، لكن هذه حسابات لا تنطبق على محددات السياسة الأمريكية التي تتحرك وفق قوانين مؤسسية لا تقبل المقايضة خارج إطار الانتخابات والشرعية والتوازن الميداني، فالإدارة الأمريكية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية لن تغامر بإعادة صياغة المشهد الليبي بما يُهدد مصالحها الاستراتيجية في الشرق أو يُزعزع ملفات الأمن والطاقة مقابل وعود مؤقتة أو عروض غير قابلة للتنفيذ
رغم العروض السخية من حكومة طرابلس.. الإدارة الأميركية، وخصوصًا في تيار ترامب، لن تقبل بتهجير الفلسطينيين إلى ليبيا
الحديث عن توطين الفلسطينيين في ليبيا، رغم ما يُشاع عن عروض سخية قدمتها بعض الجهات في طرابلس، يبقى خارج نطاق الواقع السياسي والإستراتيجي الأميركي، فالإدارة الأميركية – سواء الحالية أو في حال عودة ترامب – تعي تمامًا هشاشة الوضع في ليبيا من الناحية الأمنية والاقتصادية، كما تدرك حساسية موقعها الجغرافي باعتبارها نقطة عبور رئيسية للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
لهذا، لا يمكن للإدارة الأميركية أن تُقحم ليبيا في مشروع بهذا الحجم والتعقيد، في بلد يعاني أصلًا من انقسامات داخلية، وحدود مفتوحة، وتحديات عابرة للحدود تؤثر مباشرة على أمن المتوسط وحلفاء واشنطن في أوروبا.
وفوق ذلك فإن ليبيا اليوم واقعة تحت التصنيف الأميركي في “الإدارة العشرية” وضمن أحكام “قانون الاستقرار”، ما يجعلها ساحة مراقبة دقيقة، وليس بيئة مؤهلة لاستيعاب أي مشاريع تهجير أو إعادة توطين جماعي، خاصة تلك التي قد تُستخدم لاحقًا كورقة ضغط أو توتر في الإقليم.
الولايات المتحدة، بعقلها الأمني ومصالحها العابرة للمنطقة، لن تفتح بابًا لأزمة جديدة في شمال أفريقيا، ولا ترى في ليبيا طرفًا قادرًا على تحمّل أعباء ديموغرافية وسياسية بهذا الحجم.
السيد رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة يظن أن عرض مشاريع بـ70 مليار سيغري واشنطن ويجذب اهتمام إدارة ترامب، لكن الحقيقة أن من يفكر بهذه الطريقة يتجاهل أمرين جوهريين أولهما أن أمريكا تنفق مئات المليارات كل شهر ولن تتأثر بعرض مالي من حكومة مؤقتة، وثانيهما أن ليبيا ليست مطروحة كفرصة استثمارية بل كملف سيادي أمني مدرج ضمن قانون الاستقرار وقانون الإدارة العشرية وهو ما يحدد التعامل الأمريكي مع ليبيا بشكل صارم.
الحل بالنسبة لواشنطن لا يقوم على المال بل على ترتيبات تشمل الانتخابات العادلة وتوازن المؤسسات وعدم المساس بالنفوذ القائم في الشرق الليبي ولا أحد في الإدارة سيجازف بتفكيك مؤسسة عسكرية مستقرة أو التنازل عن حقول النفط مقابل وعود مالية وهمية.
تجاهل الدبيبة لهذه الحقائق يعكس عزلة سياسية لا تعالجها العروض بل الفهم العميق لموازين القرار.