اطلعنا علي تسريبات وثيقة ادارة عوائد النفط و الغاز الليبي عبر لجنة ليبية مشتركة و باشراف دولي و رقابة اجنبية عبر شركة محاسبة دولية تقوم مقام الجهات الرقابية التنفيذية و الاشرافية الليبية حسب القانون الليبي و الذي يقصر القيام بالمراجعة و الفحص و الرقابة علي حسابات الدولة الليبية علي الجهات الرقابية المسؤلة كديوان المحاسبة و الرقابة الادارية و السلطة القضائية وغير ذلك ليس مقبولا علي الاطلاق ان يفحص طرف اخر غير ليبي حسابات و عمليات الايراد السيادي و سبل انفاقه .
الواقع ان المدافعين عن المشروع من الليبين يتحججون انه مشروع ليبي ليبي بالكامل و انه السبيل الوحيد لارجاع تصدير النفط و هو انعكاس لوجهة البعثة الاممية و السفراء المتداخلين و الفاعلين في المشهد الليبي.
هذا المشروع يقوم علي دس السم في العسل فمن ناحية يقولون انه ليبي ليبي و تشارك فيه جميع الاطراف المعنية بتحصيل و انفاق المال و الرقابة علي نفقاته و من ناحية اخري يقرون بتدخل اطراف دولية في ادارة البرنامج و الرقابة عليه خارجيا و هذا الامر له جوانب خطير جدا :
اولا : ستقوم هذه اللجنة بادارة اموال ليبية بالمخالفة للقانون و عبر الاحتفاض باحتياطيات الدولة الليبية من العملة الصعبة لدي حسابات مؤسسة النفط لدي مصرف تجاري غير مقيم بليبيا ( المصرف الليبي الخارجي ) و درجة مخاطره عالية لكونها ستكون اموال غير سيادية بسبب انها غير مودعة لدي المصرف المركزي .
ثانيا : ان هذه اللجنة سوف تجتمع بشكل دوري لتحويل المبالغ الي حساب الدولة الليبية بالمصرف المركزي عبر تخصيص الايراد المتاح لمواجهة مصروفات محددة ربما حسب الميزانية العامة او حسب ما يتم الاتفاق عليه لمواجهة النفقات الاساسية للشعب الليبي وعلي وجه الخصوص المرتبات و باقي البنود الاخري و هذا الامر سوف ينعكس حتما علي قدرة المصرف المركزي في ادارة الاحتياطيات وفقا لقانون المصارف و يصبح هناك طرف اخر غير مخول بالقانون او الشعب بادارة الاحتياطيات وذلك سينعكس في قدرة المصرف المركزي علي اتاحة العملة الاجنبية لاغراض التجارة الخارجية مثل فتح الاعتمادات توريد السلع و غيرها من المدفوعات الخارجية و سينعكس حتما في سعر الصرف بالسوق الموازي و بالتالي ينعكس في مستويات الاسعار بالسوق المحلي، فالمصرف المركزي سيتبع سياسة انكماشية بسبب عدم توافر الايرادات من العملة الاجنبية بحساب الدولة الليبية لديه بشكل منتظم و سيضطر لمزيد من التحكم في الاحتياطيات المتاحة لديه سابقا من العملة الاجنبية.
ثالثا : ان الاعتقاد بان هذا المشروع سوف يحقق عدالة في توزيع الدخل من النفط هو للاسف كلام مرسل ليس له اساس ، فالعدالة ليست بادارة الايرادات من النفط بل بادارة الانفاق سواء كان من النفط او من غيره و عبر ميزانية الانفاق التسييري و ميزانية الانفاق الاستثماري و التي تعكس كل متطلبات الانفاق حسب الموارد المتاحة لكل اطراف البلاد غربها و شرقها و جنوبها . هذا المشروع يتضمن ان يقوم مكتب او شركة محاسبة عالمية مرموقة السمعة الدولية بالقيام بعمليات فحص التعقدات و المناقصات الحكومية لتحل محل ديوان المحاسبة و ايضا القيام بعملية الرقابة المصاحبة و الاحقة للانفاق و هذا الامر سيكون مكلف جدا و غير قانوني و لا يمكن تطبيقه الا اذا وافق ديوان المحاسبة علي ذلك في خرق واضح للقانون من جهة هي المسؤلة عن انفاذ القانون.
ما هو البديل ؟؟
البديل هو اعلان مبادي وطني تشترك فيه الجهات التشريعية (البرلمان و مجلس الدولة) و اذرعها من الجهات الرقابية (ديوان المحاسبة و جهاز الرقابة الادارية) و المصرف المركزي في الاتي:
اولا : اعادة تشكيل محلس ادارة المصرف المركزي او علي الاقل اتمام عملية الاندماج بين فرعي مصرف ليبيا و التي تجاوزت المدة المحددة بالخطة التي اشرفت عليها بعثة الامم المتحدة و تكليف المجلس الحالي بمباشرة مهامه الفعلية كمجلس ادارة و فتح المقاصة المصرفية فورا.
ثانيا : عودة تصدير النفط عبر الاتفاق علي مبادرة وطنية تجرم المساس بمقدرات الشعب الليبي.
ثالثا : تكوين فريق وطني من الجهات الرقابية ( ديوان المحاسبة و الرقابة الادارية ) و البرلمان و مجلس الدولة و المصرف المركزي و يراسها قاضي تختاره المحكمة العليا لادارة الانفاق العام و اقتصاره علي الجوانب الاساسية و النظر في التعاقدات ومدي ضرورتها اثناء الفترة الانتقالية حتي تصل البلاد الي الانتخابات.
والله من وراء القصد
سليمان سالم الشحومي: أستاذ التمويل بجامعة نتونجهام ترنت و مؤسس سوق المال الليبي