علي أبو زيد – كاتب سياسي
يحاول كاتب هذا الإدراج -وهو عضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء ونجل مفتيها- أن يبرّر موقفه وموقف الدار الداعم لحكومة الوحدة الوطنية ورئيسها، ويستدعي نصّاً لسلطان العلماء العزّ بن عبد السلام من كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) ليدّعي أنّ موقفَه وموقفَ الدار موافق لقواعد السياسة الشرعية محقّق لمصالحها المعتبرة المرعية، وبما أنه في آخر مقاله استطال علينا بأنه موافق لفقه الأئمة وبصيرتهم، وأن مخالفه إما جاهل يعاند بإسفافه، أو فيه من دروشة المشايخ الذين لا يفقهون، وجب الوقوف معه فيما كتب ونقل، فأستهل الكلام وأقول:
- كاتب الإدراج يقرّ بأنه يدعم ويؤيد من يتضرع في الأموال ويوغل فيها فساداً إلى درجة الفسق، وهذا إقرار مهم ومفيد، فلنكن منه على بال.
- القاعدة التي يستشهد بها كاتب الإدراج هي: (إذا تعذّرت العدالة في الولاية العامة والخاصة، بحيث لا يوجد عدلٌ ولّينا أقلهم فسوقاً)، وهنا تساؤلات ينبغي الإجابة عنها: هل العدالة متعذرة في حالة بلادنا؟ وإن كانت كذلك فهل من يدعمه ويؤيده كاتب الإدراج هو الأقل فسوقاً؟ وهل تعذّرت تولية غيره؟
- قفز كاتب الإدراج -مُنتقياً لموقفه ورأيه- إلى المثال الخامس من كلام العز بن عبد السلام ليستدلّ به على موقفه ورأيه، وتجاهل مثالاً ذكره صاحب الكتاب يلزمه بتأييد ودعم حكومة الوفاق الوطني التي شنّع عليها وألّب وحرّض بعد أن تبرّأ، يقول صاحب (قواعد الأحكام) 1/ 73: (ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولّوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتولى توليتها لمن هو أهل لها، وفي ذلك احتمال بعيد).
فأنت ترى كيف بيّن العز بن عبد السلام إنفاذ ولاية من ولاه الكفار، فما بالك بحكومة الوفاق الوطني التي توافق عليها ليبيون برعاية الأمم المتحدة، وكان في توليتها تحقيق مصالح ظاهرة أبرزها حقن الدماء وإيقاف للاقتتال بين المسلمين، وحشد القوة لمقاتلة المتطرفين التكفيريين (داعش في سرت)، ولكنّ الهوى يجعل صاحبه يؤمن ببعض النص ويكفر ببعضه.
- لماذا لم يُعمل كاتب الإدراج هذه القاعدة إبان الحوار السياسي في جنيف وتونس، وهو يدرك ويعرف جيدا الذي له من القوة والأمانة في الولاية ما ليس في منافسيه.
- تجاهل كاتب الإدراج ما جاء في آخر نقله من (قواعد الأحكام)، حيث قال العز بن عبد السلام رحمه الله: (ولكن قد تجوز الإعانة على المعصية لا لكونها معصية، بل لكونها وسيلة لتحصيل المصلحة الراجحة. وكذلك إذا حصل بالإعانة مصلحة تربى على مصلحة تفويت المفسدة، كما تبذل الأموال في فدى الأسرى الأحرار المسلمين، من أيدي الكفرة الفجرة)، وهنا أتساءل:
- ما هي المصلحة الراجحة لديه أو المفسدة التي يفوتونها بدعم حكومة الوحدة الوطنية؟ هل هي حقن الدماء؟ أم هي إضعاف الموغِل في الدماء؟
- إن قلتم ذلك، فإن الواقع يكذبكم وشواهده واضحة بينة، فإن الموغل في الدماء بما عقده من صفقات مع من تدعمون وتؤيدون صار موغلاً أيضاً في الأموال، والشراكة بينهما معلومة لا تخفى على أحد، فأين المصلحة الراجحة التي جلبتم غير مصالح أنفسكم وأهوائكم؟! بل اقترفتم من المفاسد ما يجعلكم شركاء.
وإني أظن أن كاتب الإدراج لم يفقه كلام سلطان العلماء ولم يتعقّله التعقل الذي يليق بكلام الأكابر، بل وجد في بعضه ما يوافق هواه ويخدم دعواه، فأراد أن يستطيل به، فلفتنا إلى غائب عنا من كلام الأكابر نزداد به يقينا على سلامة الموقف وقربه من الصواب والسداد، والله الموفق وهو يهدي السبيل.