منذ 90 عاما، لم تشرب عائلة عراقية الشاي، وقرّرت مقاطعته عام 1932 في رد فعل على احتلال بريطانيا بلدهم آنذاك، ورأت أن محاربة المحتل لا تقتصر على استخدام السلاح فقط، وإنما بوسائل أخرى من أهمها مقاطعة بضائعه.
انتقل عهد ووعد مقاطعة الشاي لدى العائلة العراقية من الأجداد والآباء إلى الأولاد والأحفاد، كما حدث مع دارا عبد الله المولود عام 1942 ولم يتذوّق الشاي حتى اليوم، تنفيذا لعهد عائلته.
بداية المقاطعة
يروي دارا عبد الله (80 عاما) تفاصيل القصة بالإشارة إلى أن والده وأعمامه كانوا ينتمون لأحد الأحزاب الكردية في ثلاثينيات القرن الماضي وكان اسمه “زيانه وه”، وفي رد منهم لمجابهة الاحتلال آنذاك، قرروا مقاطعة بريطانيا اقتصاديا، وكان الشاي من بين السلع المقاطعة التي كانت بريطانيا المصدر الرئيسي لها حينئذ.
للمُسن العراقي -الذي يسكن قضاء كلار التابع لمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق- 3 بنات وولدين وأسماؤهم روبار، روناك، روباك، رزكار، ريبوار؛ إذ يحمل اسم كل واحد منهم ذكرى وطنية خاصة تتعلق بوالدهم.
ويعدّ الشاي من المشروبات الأساسية لدى العراقيين، ويتم تناوله مع الوجبات الرئيسية وفي أوقات مختلفة لا سيما في أثناء تبادل الزيارات أو السهر أو الحديث بين الأصدقاء.
ويُعرف عن العراقيين أيضا حبهم للشاي، ومنهم من يشرب عدة أكواب منه يوميا، ومنهم والد دارا إذ كان والده عبد الله عباس (1901- 1973) من أشد المعجبين بشرب الشاي، وكان يشرب يوميا عدة أكواب، وكان يصاب بصداع شديد في حال تأخر عنه الشاي، إلا أنه التزاما منه بالوعد الذي قطعه، قرر التوقف عن شرب الشاي، ولم يتذوقه حتى وفاته.
قصة غريبة
يؤكد دارا أنه لم يتذوق الشاي منذ ولادته وسيواصل ذلك وفاء بعهد العائلة، ويضع في أحيان كثيرة كوب شاي فارغا أمامه ليُذكر نفسه بالعهد والوعد الذي تربى عليه.
وواحدة من القصص الغريبة التي مازال يستذكرها دارا حدثت معه في منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما كان مقاتلاً في صفوف القوات الكردية، وكانت العناصر المقاتلة يتناولون الشاي والخبز، إذ حاول مجموعة من زملائه إرغامه على شرب الشاي بعد أن قام 4 منهم بتقييد يديه وقدميه، ووضع آخرون كوبا كاملا من الشاي في فمه، لكنّه في الأخير انقلب السحر عليهم بتفريغ الشاي الذي بفمه ورشه على وجوههم وملابسهم.
ورغم مرور عقود على مقاطعته الشاي هو وعائلته، إلا أن دارا ينتابه شعور جياش حيال وطنه وأرضه. ويتأسف في الوقت ذاته على أن الروح الوطنية لم تعد اليوم كما كانت في الماضي بسبب الخذلان الذي تعرّض له الشعب على يد الطبقة السياسية.
ويقول -للجزيرة نت- إنه رغم أن الإنسان في الماضي كان يتمتع ببساطة، فإن روحه الوطنية كانت عالية جدا أكثر مما هي عليه اليوم. ويصف نفسه إزاء القضايا الوطنية بـ”العنيد جدا”.
المحاربة اقتصاديا
رغم مرور 90 عاما على مقاطعة الشاي، فإن ريبوار دارا (ابن المسن) يرى ضرورة أن تتكرر التجربة ذاتها مع الجيل الحالي بمقاطعة جميع الدول التي يصفها بـ”المحتلة” لبعض المناطق سواء في كردستان أو العراق عموما.
ويقول -للجزيرة نت- إن محاربة المحتل لا تقتصر على المواجهة المسلحة، بل تكون بالمقاطعة الاقتصادية، معتبرا أن ذلك له تأثير أشد.
رفض التنازل
أمّا جلال عبد الله (65 عاما) وهو صديق دارا عبد الله منذ أكثر من 3 عقود كان أيضا مقاتلا في صفوف القوات الكردية، ويصف عناد صديقه بـ”العفوي جدا” وبأنه تعبير منه عن حبه لوطنه.
ويتفق معه بأن الإنسان في الماضي يختلف عن اليوم، إذ كان على استعداد أن يضحي بنفسه من أجل وطنه وأرضه، لكن اليوم القناعات تبدّلت.
ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الكثير من الأصدقاء حاولوا مرات عدة أن يقنعوا دارا بشرب الشاي، ولو رشفة واحدة، إلا أنه رفض كسر وعده وعهده، وما زال مصرا على عدم تناول الشاي.
المصدر: الجزيرة نت