بدأت الخلافات بين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة في تزايد بعد أن اتهم الكبير حكومة الدبيبة بالتوسع في الإنفاق العام وصرف المنح والإعانات؛ وتضليل الرأي العام من قبل الدبيبة بتقديم صورة وردية للاقتصاد الليبي.
واتسعت دائرة التجاذبات بين الطرفين لتنتقل لباقي المؤسسات بعد أن تسربت أنباء عن عزم المجلس الرئاسي إقالة المحافظ، الأمر الذي تبعه قرار من مجلس النواب بإنهاء ولايتي المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة واعتبار الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد الحكومة شرعية، حتى اختيار حكومة موحدة؛ فضلا عن سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي.
وفي خطوة تصعيدية قرر المجلس الرئاسي تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وإعادة هيكلة مجلس إدارة المصرف، في تحد لمجلس النواب، ما فتح مواجهة سياسية واسعة بين المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة من جهة، ومجلس النواب ومحافظ المصرف المركزي من جهة أخرى.
وسبق قرار المجلس الرئاسي تزايد حدة التوتر بين الدبيبة والكبير، حيث هدد الأخير بتعليق أعمال المصرف المركزي على خلفية اختطاف أحد موظفيه، وتهديد بعض المسؤولين الآخرين من قبل جهات أمنية في طرابلس.
- ردود فعل من المركزي
تجاهل محافظ مصرف ليبيا المركزي قرار الرئاسي بإقالته من منصبه، كما رفضت السلطات التشريعية المتمثلة في مجلسي النواب والدولة خطوة الرئاسي أو الاعتراف بها، كونها تخالف القانون والاتفاق السياسي، وفق وصفهم.
وصرح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بأنه ليس من اختصاص المجلس الرئاسي تعيين أو إقالة المحافظ، معتبرا الصديق الكبير محافظا للمركزي، إلى حين الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة على المناصب السيادية، مشددا على ضرورة تشكيل سلطة تنفيذية موحدة للوصول إلى الانتخابات.
وبدوره رفض المجلس الأعلى للدولة قرار الرئاسي، معتبرا أن القرار يشكل تعديا على اختصاصات الجهات التشريعية، وأنه إجراء منعدم ولا قيمة له، وفقا لأحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي الليبي والتفاهمات السياسية بين المجلسين، وقرارات مجلس الأمن، مؤكدا استمرار تكليف الصديق الكبير محافظا للمصرف إلى حين البت بالمناصب السيادية.
-التصعيد واقتحام مقر المصرف
وفي خطوة تصعيدية أخرى شكل المجلس الرئاسي لجنة من الإدارة الجديدة للمصرف لإتمام عملية التسليم والاستلام متجاهلا رفض مجلسي النواب والأعلى للدولة لقراراته بشأن تعيين محافظ وإدارة جديدة للمصرف المركزي.
وقد منع عناصر الحراسة المكلفة بتأمين مقر المصرف، أعضاء اللجنة من الدخول، وطالبتهم بتقديم ما يثبت قانونية طلبهم بتسلم المصرف، عبر القضاء أو النائب العام.
فيما صرح محمد الشكري الذي عيّنه المجلس الرئاسي، محافظاً جديداً للمصرف خطوة الرئاسي بأنها “عبث” مؤكدا رفضه أن يكون جزءا من هذا “العبث” مشيرا إلى عدم قبوله منصب المحافظ، إلا بتوافق مجلسي النواب والدولة وفقاً للاتفاق السياسي.
في حين تقدم محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بشكوى رسمية إلى النائب العام، بشأن محاولة اقتحام مقر المصرف من قبل مجموعة مسلحة رفقة لجنة التسليم والاستلام المشكلة من المجلس الرئاسي.
كما أدان مجلس النواب محاولة اقتحام المقر الرئيسي للمصرف بالقوة، وبموجب قرارات ولجان من جهات فاقدة للشرعية وغير ذات علاقة وفقاً للقانون، مطالبا بدوره النائب العام بالتحقيق بشكل عاجل في ما وصفه بالاعتداء، وإحالة المسؤولين عنه للعدالة.
وبدوره جدد المجلس الأعلى للدولة اعتراضه على محاولة الاستيلاء على المصرف، مطالبا الجهات المحلية والدولية بعدم التعامل مع الإدارة المكلفة من الرئاسي؛ بوصفها غير شرعية ومغتصبة للسلطة، منوها إلى أنه سيتخذ كل الإجراءات القانونية للحفاظ على حقوقه طبقا للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري.
- ردود فعل خارجية
لفتت أزمة المركزي وما تبعها من تداعيات نظر العديد من الجهات الدولية والدول المتداخلة في الشأن الليبي، فقد طالب مجلس الأمن الدولي الجهات الفاعلة والمؤسسات الليبية بالامتناع بشكل عاجل عن أي إجراءات أحادية الجانب، تزيد التوتر وتقوض الثقة وتعزز الانقسامات بالمؤسسات، داعيا إلى تعليق جميع القرارات المتعلقة بالمصرف.
فيما أكدت البعثة الأممية للدعم في ليبيا أن استمرار أزمة المركزي سيكون له تكلفة باهظة على الشعب الليبي، ويهدد بتعجيل انهيار البلاد المالي والاقتصادي، داعية إلى وقف أي تصعيد والامتناع عن استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية أو مصالح فئوية.
وعلى صعيد متصل دعت سفارة الولايات المتحدة في ليبيا إلى محاسبة من قاموا بترهيب موظفي البنك المركزي بشكل صارم، مشيرة إلى أن هذه الأفعال تقوض الثقة في الاستقرار الاقتصادي والمالي، ويؤثر على مكانة ليبيا الاقتصادية في المجتمع الدولي.
مكتب شؤون الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية أكد في بيان له أن البنوك الأمريكية والدولية أعادت تقييم علاقاتها مع مصرف ليبيا المركزي، ووقف المعاملات المالية حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية للمصرف، مطالبا الجهات الفاعلة الليبية إلى اتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف وإيجاد حل لا يضر بسمعته، ومشاركته مع النظام المالي الدولي.
سفير المملكة المتحدة في ليبيا مارتن لونغدن علق على أحداث المركزي بالقول إن الحالة الراهنة في ليبيا تهدد استقرار البلد ومصالح الشعب الليبي.
في حين حذر هيمش فولكنر والذي يشغل منصب وزير الدولة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من تزايد المخاوف بشأن أزمة البنك المركزي مشيرا إلى أن الإجراءات الأخيرة (اقتحام المصرف) ستؤدي إلى تعقيد علاقات ليبيا مع البنوك الدولية بشكل خطير.
بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا أعربت كذلك عن قلقها إزاء تدهور الوضع في ليبيا، مؤكدة أن ترهيب موظفي مصرف ليبيا المركزي وإغلاق الحقول النفطية وتعطيل الخدمات المصرفية سيؤدي إلى تفاقم الوضع الهش أصلا، داعية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتهدئة الأوضاع وعقد اجتماع طارئ لجميع الأطراف المعنية، لحل أزمة المصرف المركزي بشكل سلمي.
- محاولة للخروج من الأزمة
في محاولة لخفض التصعيد والخروج من الأزمة وجهت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة ستيفاني خوري الأطراف المعنية (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، مجلس الدولة) للاجتماع والخروج بحل يفضي إلى تجاوز الأزمة الحالية للمصرف المركزي إلى حين توافق مجلس النواب ومجلس الدولة على محافظ ومجلس إدارة جديد وفقا لما نص الاتفاق السياسي.
وبالفعل عقد اجتماع بين البعثة الأممية مع ممثلين عن مجلسي النواب والأعلى للدولة من جهة وممثل المجلس الرئاسي من جهة أخرى، وذلك بعد أن رفض ممثلو مجلسي النواب والأعلى للدولة حضور ممثل الرئاسي زياد دغيم للاجتماع.
وعقب الاجتماع أعلنت البعثة تفاهم ممثلي مجلسي النواب والدولة على آلية وموعد تعيين محافظ ومجلس إدارة المصرف، مشيرة إلى أن ممثلي المجلسين طالبوا بمهلة إضافية، لاستكمال مشاوراتهما والتوصل إلى توافق نهائي بشأن الترتيبات اللازمة لإدارة المصرف إلى حين تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة.
كما أصدر ممثلو مجلسي النواب والدولة بيانا أكدا فيه التزام المجلسين باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتعيين محافظ ومجلس إدارة للمصرف المركزي في غضون 30 يوما من هذا التوافق استنادا للاتفاق السياسي.
ويترقب الجميع ما سيؤول إليه الوضع بعد انقضاء المهلة التي طالب بها ممثلو المجلسين ومدى التزام باقي الأطراف بما سينتج من حلول توافقية بين المجلسين، وهل الأيام المقبلة ستكشف عن فصل جديد من هذه الأزمة، أم شارفت على نهايتها؟.