كتب رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو مقالا عن فيسبوك وهل ساهم في انحدار المجتمع، فقال: “يقول عالم النفس الشهير (سيغموند فرويد) :- {إن المجتمعات الإنسانية بدأت تنشأ عندما تعلم الناس الشتائم}، أي عندما تعلم الناس تبادل الكلام القاسي والسب والشتم في خلافاتهم ونزاعاتهم وتضارب نزعاتهم، بديلاً عن العض والضرب والقتل والعنف اليدوي والجسدي بأنواعه المتعددة”.

وأضاف بعيو: “هذا ما يحدث الآن بشكل مؤكد ومطلق في الدول والمجتمعات المتمدينة المتحضرة، فيندر بل يستحيل أن ينشب صراع دموي عنيف بسبب كلام أو تدافع لساني، لكن في المجتمعات العالم ثالثية عموماً والعربية خصوصاً لا يزال الأمر مختلفاً، فبسبب كلمة غير مقبولة من خصم تجاه خصمه قد يُقتل شخص وتزهق روح، بل وتشتعل حروب وصراعات دموية، وقد يجد إنسان نفسه سجيناً أو منفياّ أومُغيّباً وراء الشمس”.

وتابع: لهذا أقول آسفاً كاسفاً إن المدى الزمني لا يزال طويلاً وبعيداً بيننا وبين الأنسنة الفعلية، وتكوين المجتمعات الإنسانية المستقرة المتدافعة في غير عنف المختلفة بغير صراع.

واسترسل قائلا: “هذه المسافة الطويلة قد يختصرها وجود الفيسبوك العربي أو الاستخدام العربي للفيسبوك، في التشاتم والتلاطم عن بُعد دون احتكاك جسدي أو اصطدام مباشر، بل إن معظم النقد القاسي والكلام البذيء والتطاعن والتلاعن يمارسها عبر هذه المنصة {كثيرة الخير وشديدة الشر في الوقت نفسه} أشخاصٌ غامضون بأسماء وهمية ووجوه مخفية وهذا بالتأكيد من عيوب بل كوارث مواقع التواصل الاجتماعي جميعها وبالذات أكبرها وأوسعها انتشاراً الفيسبوك، وجميعها تستفيد من حجم التواجد الحقيقي والمزيف على منصاتها في تحقيق موارد مالية ضخمة من خلال الإعلان والترويج الترفيهي والاقتصادي والسياسي، وقد بلغ عدد مشتركي منصة الفيسبوك وحدها ما يزيد عن 4 مليار مشترك بين حسابات شخصية وصفحات مفتوحة وهذا العدد لن يكون حقيقي لو كان لكل شخص حساب واحد أو صفحة واحدة مرتبط بهويته الشخصية الحقيقة وبياناته الوطنية الدقيقة”.

وأشار بعيو إلى أن “هذا ما خلق وأوجد ما يسمى {الذباب الألكتروني} الذي هو أقوى الجيوش الإفتراضية وأكثرها شراسة وأشدها وضاعة وحقارة، والقادرة على التشويه والاغتيال المعنوي، بل وإشعال الصراعات العنيفة بالذات في المجموعات البشرية البدائية عقلاً المتخلفة فعلاً، التي لم تصل إلى مستوى المجتمعات الإنسانية المعروفة والموصوفة والراسخة، والمنتظمة في سياقات الوجود، لا المنخرطة في متاهات العدم مثلما هو للأسف حال المجموعات البشرية الليبية”.

واختتم مقاله: “أقول بعد هذا السرد / إن قبولنا وتحمّلنا لسلبيات الفيسبوك وبذاءات جيوشه الألكترونية، وتعالينا عن الرد بذات السفاهة والبذاءة، وانخراطنا المتدرج ولو بصعوبة في النقاش والحوار والتدافع السلمي العقلي ومحاولات الإقناع والتحييد، هو السبيل الوحيد والصحيح للإنخراط في مسار تاريخي قد يطول نحو الأنسنة والعقلانية وتأسيس مجتمعنا الإنساني الطبيعي بديلاً عن جماعتنا البشرية البدائية.

فهل نبداُ؟ وهل نستطيع؟ وهل نستمر؟ .. أسئلة ثلاث لا أملك لها إجابة قاطعة، لكن لا خيار أمامنا سوى أن ننصح ونحاول لعلنا نجد من لا يكرهون الناصحين، ولعلنا نطرق أبوب قلوب ليس عليها أقفالها”.