سياسة ضخ الدولار في السوق المحلي سياسة معتادة تلجأ إليها المصارف المركزية لدعم قيمة العملة المحلية عندما تتعرض لانخفاض كبير أو ملحوظ أمام العملات الأجنبية، بهدف الحد من معدلات التضخم وتحسين السيولة وتحقيق الاستقرار، وعادة ما يتم السحب في هذه الحالة من حساب الاحتياطي الأجنبي

وهذه العملية أو السياسة تتم أحياناً أو عند الحاجة فقط، وليس بشكل دائم ومستمر كما هو الحال من قبل المركزي الليبي الذي اعتاد شهرياً على اتباع هذه السياسة، حيث بلغ ما تم ضخه منذ بداية العام الحالي و حتى نهاية أكتوبر وفق بياناته قرابة 27 مليار دولار، بشكل يفوق حصيلة الإيرادات النفطية التي ناهزت قرابة 20 مليار دولار خلال الفترة ما يعني سحب المركزي بطريقة أو بأخرى لما قيمته 7 مليار دولار من رصيد الاحتياطي.

ومؤخرا أعلن المركزي ضخ ما قيمته 2مليار دولار ابتداء من مطلع ديسمبر القادم في شكل اعتمادات مستندية وبطاقات أغراض شخصية وهذه القيمة تفوق حصيلة إيرادات النفط عن شهر نوفمبر الحالي والتي يتوقع أن تناهز 1.6 مليار، وذلك بهدف دعم سعر الدينار الذي يشهد تراجع مستمر رغم تواصل سياسية ضخ الدولار

ويعود سبب اتباع المركزي الليبي لسياسة ضخ الدولار بشكل دائم إلى سببين ..

الأول بهدف تمويل الإنفاق الحكومي المتزايد، فالإيرادات النفطية هي المصدر الوحيد لتمويل هذ الانفاق، في حين أن حصيلة الايرادات الغير نفطية شبه معدومة ولا تغطي حتى ما نسبته ‎%‎01 من فاتورة الإنفاق العام.

أما السبب الثاني فبهدف توفير احتياجات البلاد من السلع والخدمات، فالبلاد لا تنتج في حين تستورد تقريبا كافة احتياجاتها من الخارج، فقيمة الاعتمادات المستندية المفتوحة لغرض الاستيراد من قبل التجار منذ بداية العام الحالي حتى أكتوبر الماضي تقارب من 12,870 مليار دولار أي ما نسبته ‎%‎65 من حجم الإيرادات النفطية دون احتساب قيمة بطاقات الأغراض الشخصية التي ناهزت ما قيمته 7 مليار دولار وقيمة المدفوعات الحكومية التي تقارب من 6 مليار دولار.
ورغم إن العجز في ميزان المدفوعات يعود أساساً الى الخلل في الميزان التجاري وميزان الخدمات جراء ضعف الصادرات النفطية وتنامي فاتورة الواردات وارتفاع قيمة بطاقات الاغراض الشخصية؛ فضلاً عن انعدام شبه كامل لتدفق الاستثمارات الأجنبية، فإن الحكومة والجهات ذات العلاقة لم تعكف بعد على دراسة ومعالجة ذلك الخلل عبر إقرار تدابير لدعم وتنويع الصادرات وتقليص وتقييد فاتورة الواردات وذلك عبر تفعيلها لأدوات السياسة التجارية ومحاربتها لأعمال تهريب السلع المختلفة عبر الحدود من غذاء ودواء ووقود وغيرها.

وعلى الجانب الأخر لم تتخذ الحكومة أي إجراءات لضبط وترشيد الإنفاق الحكومي وتفعيل وتعزيز الجباية للإيرادات العامة عبر محاربتها للتهرب الضريبي والجمركي وتطوير التشريعات الضريبية و الجمركية وتحسين فوائض شركات القطاع العام.

وفق بيانات المركزي سجل ميزان المدفوعات عجوزات خلال العامي 2023، 2024 ما بين 6 إلى 8 مليار دولار، ويتوقع مع نهاية هذا العام أن يسجل العجز قرابة 7 مليار دولار.

وإذا ما استمر المركزي في سياسة ضخ الدولار دون اتخاذ الحكومة لتدابير ومعالجات اقتصادية حقيقية للخلل في ميزان المدفوعات والمالية العامة فإن رصيد الاحتياطي الأجنبي مهدد بالاستنزاف خلال السنوات القليلة القادمة، ما قد يضع معه الاقتصاد على حافة الانهيار، وحينها تصبح الحلول أكثر صعوبة إن لم نقل مستحيلة.